تابعوا ڤوغ العربية

سلامة العبّار.. رائدة أعمال إماراتية ترجمت حسّها الإبداعي في عالم الموضة والأزياء

تصوير Ziga Mihelcic

ما كان الانتقال من عالم الأعمال والمال إلى عالم الموضة والأزياء ليكون بهذه السهولة التي حظيت بها سلامة العبّار لولا دعم والديها بها والإصرار على تشجيعها لتدخل المجال الذي تحبّ والذي رأت فيه أنسب مكانٍ لتفجّر ما في داخلها من رؤى مبدعة. ولا نعني هنا بالإبداع الرسم والتصميم والخياطة، فسلامة أعطت لهذه الكلمة بعداً جديداً مختلف جداً عما اعتدناه وترجمت حسّها الإبداعي من خلال حسن اختيار الملابس والتصاميم من أهم دور الأزياء والماركات العالمية لتعرضها في متجرها أمام المرأة الإماراتية والعربية عموماً.

سلامة العبّار هي ابنة التسعينيات، تلك الحقبة التي كان على الأهل أن يقدموا الكثير من التضحيات وأن يعملوا بجدِ كبير ليصلوا بأسرهم الصغيرة وبأسرهم الكبيرة، ونعني بها البلاد عامةً، إلى برّ الأمان والرفاهية. لا تنسى سلامة أبداً طموحاً كان يلمع في عيني والدها ومثابرةً دفعته للمضي قدماً وإصراراً ساعده على تخطي كلّ العوائق. لا تنسى كذلك شغفاً للقراءة أخذ منه كلّ مأخذ حتى أصبح عدوى انتقلت إليها ورافقتها في مختلف مراحل حياتها. تقرّ سلامة كذلك بفضل والدتها، تلك المرأة الجبّارة التي أدت دور الأم والأب في آنٍ معاً وانكبت على تعليمها وإخوتها أفضل تعليم وزرعت في أنفسهم حبّ العائلة أولاً وأخيراً وغيرها الكثير من المثل العليا والفاضلة التي تحرص سلامة اليوم بعد أن أصبحت أماً على زرعها أيضاً في نفوس أطفالها. أرادت سلامة مذ كانت على مقاعد الدراسة أن تصبح محللة مالية معتمدة وسعت لتحقيق هذه الرغبة من خلال تخصصها الجامعي ومن خلال تصوّر مسيرة مهنية في عالم المال. وفعلاً انضمت الشابة إلى شركة Ernst & Young البارزة عالمياً، إلا أنها لم تحتاج إلا لبضعة أشهر لتدرك أنها تسير في اتجاه خاطئٍ لا يشبهها إطلاقاً، فقررت فوراً تغيير مسارها المهني لتنتقل إلى مجال تحبه مستفيدةً من دعم العائلة وتشجيعها.

تصوير Ziga Mihelcic

وحبّ سلامة للموضة لا ينبع من أقمشةٍ وألوان وتصاميم سرقتها من عالم الأموال، فهي عشقت هذا المجال من خلال القراءة، وقد تحدثت عن ميلها إلى الموضة قائلةً: «في أواخر سنوات مراهقتي، بدأت أقرأ المجلات، مثل ڤوغ، وفهمت أكثر عن الجانب الإبداعي في هذه الصناعة، وشغف المصممين بها، والمسؤولين عن تحديد اتجاهاتها. لقد أسرتني القصص أكثر من الموضة نفسها». وسلامة كفتاة متحفظة وجدت في الموضة أداةً عظيمة للتعبير عن الذات، وباباً يمنحها فرصاً عظيمة لتقابل أناساً من خلفيات متعددة يتمتعون بأذواق متنوعة ولتتعرف على بلاد وثقافات وعقليات وأعراق مختلفة ولاكتساب خبرات جديدة، ولمقابلة شخصيات رائعة وفنانين ومؤديين، فكوّنت شخصية جمعت بين الفخر بهويتها العربية والانفتاح على الثقافات الغربية وسعت لتقديم المرأة العربية بعيداً عن الصورة النمطية التي يعرفها الناس بها في مختلف أنحاء العالم.

حبها لمجال الموضة دفعها لتتسلح برغبتها الدائمة بالتعلم، وبإيمانها بتفويض المهام، والانضباط، والابتكار، والعمل بذكاء، وبالمثابرة في الأوقات العصيبة وبحسّها الفضولي العالي، وحبّها للبحث واقتحمت عالم الموضة كمشترية وليس كمصممة، وقد فسّرت توجهها قائلةً: «وجدت أن السوق تفتقر إلى من يقدم معروضات فاخرة ومختارة للمرأة في الخليج،» وهكذا ولدت فكرة Symphony! وما كانت هذه الفكرة لتتحول إلى حقيقة لولا والدها الذي شجعها لتعلّم كل ما تحتاج إليه لبدء مشروعها ولتأسيس فريق بيع بالتجزئة يدعمها في هذه الرحلة الجديدة سواء لناحية الشراء والترويج وتصميم المتجر وتجديده والترويج المرئي وإدارة الفريق وغير ذلك. وما زاد الأمر متعةً كان مرافقة أمها وأشقائها لها في رحلات الشراء وحضور عروض الأزياء وزيارة صالات العرض. تتذكر سلامة بدايات «سيمفوني» فتقول: «كانت فترة سعيدة وصعبة أيضاً. لم يكن من السهل علينا كمتجر جديد إقناع المصممين بالعرض لدينا، وكان من المهم بالنسبة لي أن يكون هناك مزيج جيد يجمع بين المصممين الجدد والمعروفين. وكان علي التحلي بالصبر. أمضيت سنوات لإقناع مصممين مرموقين محددين بالانضمام إلى قائمة علاماتنا». واليوم بعد 12 عاماً، باستطاعة سلامة أن تقول إنها شقت طريقاً حافلاً بالتجارب والأخطاء والمخاطرات إلا أنها تمكنت في النهاية من التعاون مع عدد كبير من المصممين المعروفين والصاعدين، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.

تصوير Ziga Mihelcic

وبالطبع لم يمر تأسيس المتجر من دون عقبات كثيرة، إلا أن سلامة استفادت من كونها مقيمة في الإمارات العربية المتحدة التي تحترم النساء وتشجعهن، وقد قالت: «نحن محظوظون بأننا نعيش على أرض توفر الفرص، ليس للمواطنين فقط ولكن لكل أفراد المجتمع. وأنا ممتنة أني تلقيت الدعم من المجتمع المحلي على مدار سنوات. ولطالما شعرت بفخر البلد بروّاد الأعمال المحليين ودعمها لهم. ولقد قدم لنا قادتنا أيضاً مصدر إلهام عظيم في العمل بذكاء وعدم الاستسلام، بالإضافة إلى كل القدوات الذين يعملون ليل نهار لصالح تقدم الدولة». وتعتبر سلامة أن التحدي الرئيسي كان في منظورنا لأنفسنا، وفي حصر المرأة نفسها داخل القوالب النمطية المأخوذة مسبقاً عنها، سواءً كان ذلك على المستوى العالمي كنساء عربيات مسلمات أو داخل المنطقة. وقد قالت: «إن منظورنا لأنفسنا هي كلمة السر». لذلك دائماً ما تنصح النساء بالتوقف عن تقديم أنفسهن وفق رؤية الآخرين، ولكن وفق رؤيتهن هن، سواء أردن أن يكنّ نساء عاملات في الميدان أم قررن البقاء في المنزل لرعاية شؤون الأسرة.

وانطلاقاً من تجربتها وامتناناً لكل دعمٍ حظيت به ومهّد لها الطريق لتصل إلى ما هي عليه اليوم، لا تتوانى سلامة عن تقديم الدعم لكل موهبة شابة، وهذا ما برهنته مراراً وتكراراً من خلال توفير منصة للمواهب الشابة للترويج

لأنفسهم، سواء عبر تعاونات مثل تجربة Fashion Dubai Experience بالتعاون مع ڤوغ الإيطالية أو معارض التسوق أو البيع في متجر «سيمفوني»، وقد صرّحت قائلةً: «أعتقد أن دعم الشباب من خلال البيع يقدم لهم نفس مردود العملاء الذين يبحثون عنهم. وإجمالاً، نجاحهم يعني نجاحنا، والعكس صحيح. وهو بكل تأكيد أبرز جزء مثمر في عملنا، وأتمنى أن أكون قادرة على توفير المزيد من الدعم لهم في السنوات المقبلة».

تصوير Ziga Mihelcic

يقوم متجر «سيمفوني» على مفهوم يستند إلى المرأة الإماراتية. ترى سلامة أن هذه المرأة هي امرأة منفتحة على التغيير وعلى الأفكار الجديدة، ولديها الشجاعة لاقتحام أي مجال دون أن تتبع غيرها ممن سرن على ذات الدرب، فيما تظل دوماً وفية لجذورها ومتمسكة بتقاليدها. والمرأة الإماراتية كما عبّرت سلامة هي تجسيد لدولة الإمارات التي تتمتع بمجتمع شجاع لا يخشى التحديات ومنفتح على جميع الجنسيات والثقافات والأعراق بطريقة تستدعي الفخر. وفي هذا الإطار ذكرت الشابة الطموحة الظروف التي مرت بها البلاد أثناء الجائحة حين اتحد الشعب لصحة وسلامة الإمارات، وقد قالت بعزّة: «تأثرت بشدّة وأنا أشاهد سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم وهو يلقي كلمته في ليلة افتتاح إكسبو 2020، شعرت أن ذلك الوقت العصيب قد انتهى. لمست في كلام سموّه قوة المجتمع الإماراتي».

يخدم «سيمفوني» شريحة خاصة ونخبوية جداً من السوق. وعلى هذا النحو، ينطوي تطويرعلامة سيمفوني، وخاصة في الفترة الحالية بعد الجائحة، على الفضول والبحث المستمر والاستماع إلى العميلات. ويستلزم ذلك تجديد تجربة سيمفوني لمواكبة تطلعاتهن لأنهن في المقدمة دائماً. وكرائدة أعمال، تود سلامة أن تتحقق من قوتها كملهَمة بما يكفي للحفاظ على استمرارية العمل. والإلهام والإبداع أساسيان لتحقيق ذلك، لذلك تراها تعمل بجد لتوفيرهما دائماً.

ويمثل BySymphony.com بوابة أساسية لتجربة عميلات سيمفوني، حيث يوفر للعميلات الراحة ويقدم لهن مجموعة المنتجات في أي مكان. ومع ذلك، فإن تجربة التسوق داخل المتجر مختلفة دائماً، من زيارة المتجر إلى مشاهدة القطع واستشعارها وتجربة ارتدائها وخروج العميلات حاملات حقائب المشتريات في أيديهن ومرورهن على المقهى الخاص بنا. إنها تجربة تستمتع النساء بخوضها، تجربة لا تظن سلامة أن النساء ستملّها.

والعمل في «سيمفوني» هو متعة بحدّ ذاته. فسلامة، بمساعدة فريق عمل رائع، تقوم بالإشراف على عمليات الشراء وتوافق على غالبية التصاميم قبل تجهيز طلبات الشراء. والشراء حسب مفهوم رائدة الأعمال الشابة هو مزيج يجمع بين الحدس والآراء المستقاة والأرقام، ويتعلق بتلبية احتياجات العميلات في نطاق روح العلامة، وبمتابعة الاتجاهات السائدة في المجتمع، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو الدوائر الاجتماعية الواسعة. ومصادر الإلهام التي تستفيد منها سلامة لتنتقي معروضاتها كثيرة، فقبل الجائحة، كانت تستقي الإلهام من حفلات الزفاف وحفلات العشاء، حيث كانت تلاحظ الاتجاهات السائدة. لطالما استفادت سلامة أيضاً من وسائل التواصل الاجتماعي لتحصل على تعقيبات فورية أثناء وجودها في صالات العرض في باريس. وتختصر سلامة طريقة انتقائها للأزياء قائلة: «الأمر برمته يعتمد على الحدس!» أما اختيار المصمّمين فيعتمد على آراء العميلات، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو المبيعات أو فريق البيع بالتجزئة أو الناس، وكذلك على البحث للعثور على مصممين جدد وتقديمهم للعميلات وقد أشارت هنا إلى ميلها الشديد إلى مصممين من المنطقة وقالت:

«إنه حقاً أفضل شعور أن تجدي مصمماً جديداً وتلمسي حفاوة الناس به».

وبالحديث عن الإلهام، أتت الشابة الطموحة على ذكر الذكرى الخمسين لاتحاد شعب الإمارات معاً كأمة، فقالت: «كامرأة إماراتية، تلهمني رؤية ما وصلت إليه الدولة خلال هذه الفترة القصيرة. إننا نحتفل بذكرى خمسين عاماً من العمل الجاد ونتطلع إلى المستقبل الذي ينتظر الأجيال القادمة. والأهم من كل ذلك أنه وقت للاحتفال والفخر بالحاضر الذي نعيشه اليوم طكأمة وشعب. ورد الجميل ليس عملاً سهلاً. وتربية أطفالي ليكونوا أفراداً منتجين في العالم فضلاً عن دعم الشباب وإلهامهم ودعم مبادراتهم من خلال أعمالي التجارية الخاصة هو ما

تصوير Ziga Mihelcic

أطمح إليه في السنوات المقبلة».

ونجاح «سيمفوني» يُعزا إلى أسباب كثيرة، لخصتها سلامة بقولها: «أؤمن بأن سيمفوني من المتاجر القليلة التي يكون فيها المشتري امرأة إماراتية، وأعتقد أن الشراء يمثل جزءاً كبيراً منه. وكوني مشترية منخرطة في مجتمع العميلة ذاتها، وأنا نفسي عميلة، فقد أعطاني ذلك ميزة لصالحي. بدأنا أيضاً في وقت كانت وسائل التواصل الاجتماعي في بداية ازدهارها، واستطعنا أن نترك أثراً في مرحلة مبكرة جداً». وسلامة كرائدة أعمال، تسعى لتأسيس مشروع تجاري معدّ خصيصاً للمرأة العربية ومستوحى منها بالتعاون مع الناس الذين تستمتع بالعمل معهم لأن ذلك يعود بالفائدة على ذلك المشروع، وتعتقد أن هوية متجر «سيمفوني» وروحه ثابتتان حيثما ذهبت وأياً كانت القناة التي تعتمدها لتقدمه سواء أكان الإنترنت، أو داخل المتجر، أو من خلال فعاليات التسوق التي تقيمها.

بعيداً عن عالم الموضة والأعمال، تضع سلامة على رأس أولوياتها الأسرة التي تعني لها الكثير وتحرص على قضاء أثمن الأوقات معها. وتهوى سلامة القراءة لا سيما السير الذاتية لأنها تقدم مدخلاً لفهم الشخصيات التي تثير تجاربها الاهتمام، سواء كانوا رياضيين أو مصممي أزياء أو سياسيين أو نجوم سينما أو علماء أو نشطاء أو أشخاصاً عاديين، فمن واقع قراءة تجارب طفولتهم وتحدياتهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم، يتبيّن أن هناك أمراً يمكن أن نتعلمه من كل شخص. تولي سلامة أيضاً اهتماماً خاصاً بعلم النفس والتعليم في مراحل الطفولة المبكرة، وهو اهتمام ازداد عمقاً عندما أصبحت أماً. وتستمع كذلك بالسفر بصحبة العائلة واستكشاف أماكن ومدن جديدة. وبين العمل والأسرة تحاول رائدة الأعمال الشابة أن توفق بين المجالين

من دون أن تنجح دوماً في ذلك، لهذا هي ممتنة للغاية لفريقها الداعم الذي يستطيع تولي زمام الأمور عندما لا تكون موجودة، وقد سارعت إلى القول: «أؤمن بأن الحياة مقسمة إلى مواسم. وكأم جديدة، أعيش حالياً الموسم الذي أكرّس فيه أغلب أوقاتي لأسرتي، ويبدو أن التوازن يختلف باختلاف مراحل حياة الإنسان. والتوازن يتحقق حين تكون واضحاً في تحديد أولوياتك وأن تخصص وقتاً لها، وهذا يعني أنه لا محالة من أن تسقط بعض الأمور على جانب الطريق، وهو ما أحاول أن أتقبله».

 

اقرئي ايضاً : مثايل آل علي مؤثرة إماراتية تبحث دائماً عن التطور في مختلف جوانب حياتها

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع