تابعوا ڤوغ العربية

غداء مع مصممي الأزياء جوناثان أندرسون وإيسي مياكي

aus_dame-lucie-rie-in-her-studio-in-1989-credit-snowdon

صورة السيدة لوسي راي في الاستوديو الخاص بها بلندن عام 1989 بعدسة لورد سنودون.

عندما كتبت مقالة طويلة لمجلة لانشون Luncheon عن صانعة الخزف العالمية لوسي راي لم يكن لدي أية فكرة حول رحلة الفن والثقافة المذهلة التي ستنكشف أمامي ولا عن الطريقة التي ستَحبُك بها صور لورد سنودون أبرز أحداث القصة ببعضها.

إليكم هنا قصة حلقة من سلسلة الأزياء التي ستفاجئ الجميع لتستمتعوا بقراءتها كباقي قصص مجلة لانشون التي تم إصدارها في لندن من قبل رئيسي التحرير فرانسيس فون هوفمانستال وتوماس ﭙيرسون.

لوسي راي: فنانة الخزف والصلصال تلهم كلاً من إيسي مياكي وجوناثان أندرسون

يحني جوناثان أندرسون يديه برشاقة شديدة، حيث يمكنني تخيل راحتا يديه الواسعتان وأصابعه المنحنية كوعاء لويس راي الذي يصفه. يقول المصمم باعتباره أحد هواة جمع الخزف طيلة حياته “يا لروعة ملمسه. أعتقد أنني مهووس بأعمال لوسي راي. لقد أحببت الطريقة التي تعاونت فيها مع إيسي مياكي الذي أعتبره أهم مصمم أزياء في القرن العشرين.” وقام بسحب شعره بطريقة جادة. “ما زلت أذكر أول قطعة اشتريتها منها، كانت عبارة عن وعاء سلطة صنعته في خمسينيات القرن الماضي بشكل شديد التموج وبدأ الأمر عندي يتحول بعدها ليصبح إدمان على تصاميمها.”

كيف يمكن أن يتفق مصمما أزياء مثل إيسي مياكي وجوناثان أندرسون اللذان يعودان إلى جيلين وبلدين وثقافتين مختلفتين على وعاء صلصالي بطلاء أبيض لامع فوق خلطة طينية داكنة صُمم على يد امرأة مولودة في ﭭيينا مع مطلع القرن العشرين  هربت إلى لندن لتصبح صانعة خزف مشهورة عالمياً؟

كان عمر جوناثان أندرسون خمس سنوات وهو من بلدة صغيرة في إيرلندا الشمالية عندما نظم إيسي مياكي معرض “إيسي مياكي يلتقي بلوسي راي” في كل من طوكيو وأوساكا عام 1989 وهو معرض أقامه في بلده اليابان وكان مكرساً لإظهار ولعه الشديد بأعمال صانعة الخزف تلك. قال إيسي مياكي حول تنسيق ذلك المعرض سويةً: “لقد فوجئت بالاستحسان الكبير الذي قوبلت به أعمال لوسي التي لم تكن معروفة عن نحو كبير في ذلك الوقت”. “يدين نجاح المعرض بالكثير إلى القاعة التي صممها تاداو أندو التي عُرضت فيها القطع بشكلٍ عائمٍ على سطح بركة مستطيلة ضخمة”.

aus_issey-miyake_credit_brigitte-lacombe

إيسي مياكي – إيسي مياكي الذي سافر في رحلة طويلة إلى لندن للقاء لوسي راي، وأصبحا فيما بعد صديقين مقربين.

وصف إيسي مياكي أول مشاهدة له لأعمال لوسي راي بأنه “أُسِرَ بجمال إبداعها”. بدأ الأمر عنده مع قراءة كتاب لصناعة الخزف وجده مصادفة في متجر كتبٍ بلندن أدى به إلى زيارة صانعة الخزف هذه في ورشة عملها الموجودة ضمن بيتها المتواضع بلندن.

قال إيسي مياكي واصفاً الأثر الذي تركه لقاءه بصانعة الخزف وفنها الرائع هذا: “شعرت بعد مشاهدة بعض أعمالها بأن هذا هو ما يعنيه الإبداع تحديداً، أذكر بأنني أحسست فجأة بطاقة رهيبة وإلهام عظيم ورعشة من شدة الشوق” لتنظيم معرض طوكيو على الفور.

شرح إيسي مياكي قائلاً: “احتلت بساطة أعمال لوسي راي وجمالها وفخامتها ومكوناتها الطبيعية مركز الصدارة حتى ضمن قاعة عرض رائعة كهذه. حيث تكمن جاذبية أعمالها في الدفء والحنين الذي يملاً قلوبنا للأعمال اليدوية. لطالما كنت ضعيفاً في التعبير غير أن أعمالها ألغت الحاجة إلى الكلام وفجرت الرغبة في الشعور بدلاً من سرد الكلمات حسب رأيي. تمنحنا كل قطعة من أعمال لوسي راي إحساساً بأصل نشأتها، وتعيش كل قطعة من أعمالها في عالمها الخاص بعيداً عن الشرق والغرب”.

بينما يتحمس جوناثان أندرسون بفصاحة لسانه الإيرلندية عكس إيسي مياكي على شرح السبب والطريقة التي يشعر من خلالها بالارتباط الوثيق مع دقة وبساطة أعمال لوسي راي. وقد ذكرني من خلال كلماته بالوجه بركاني الشكل لإحدى الأواني الخزفية أو النقوش البيضاء الرائعة على أحد أطقم القهوة.

يقول جوناثان أندرسون متحدثاً باستخدام شفتيه ويديه معاً: “يظهر الشكل على هذا النحو ثم تأتي بعض الخطوط لتقطعه. هناك شيء سحريٌ في أعمال لوسي راي يدفعك إلى الرغبة في تلمسها. حيث ستشعرين بإحساس ديناميكيٍّ مثير من حيث الوزن عندما تحملينها، فقد تكون أثقل أو أخف مما كنت تعتقدين قبل حملها. كما تذهلني الطريقة التي تطورت فيها أعمالها خلال الفترة من حقبة السبعينيات والثمانينيات”.

يتابع جوناثان أندرسون حديثه قائلاً: “أحب دائماً مشاهدة أشياء لا يمكنني فعلها، لأنها تشعرني بالإلهام. وهذا يعني أنك لست منيعة حيث يمكن أن تحترمي شيء تقدرينه وتندهشي به. صناعة الخزف موهبة لا أمتلكها، لكن يمكنني فهم أهميتها ومزاياها”.

aus_the-hands-of-lucie-rie-covered-in-clay-around-1990-credit-lord-snowdon

صورة يديّ السيدة لوسي راي مغطاتين بالطين، بعدسة لورد سنودون عام 1988.

شعرت في تلك اللحظة بأنه عليّ أن أعرف المزيد عن الفنانة التي اعتُبرت حال وفاتها عام 1995 عن عمر يناهز الـ93 عاماً سيدة مهنتها في القرن العشرين. حيث يمكنني الشعور بالفرق بين أوانيها الفخارية الضخمة وقطعها الخزفية الدقيقة حتى مع معرفتي البسيطة بصناعة الخزف والفخار. شعرت بحاجة للمس الرقبة الضيقة والبطن المنفوخ لإحدى المزهريات وتتبع وعاء فخاريٍّ صلب بأصابعي بدا كما لو أنه مضغوطٌ كالمعجون بشكلٍ بيضوي.

قرأت سيرة حياة لوسي راي عبر كتاب إيمانويل كوبر وعلمت عن صداقاتها الوثيقة مع فنانين آخرين من أمثال فريتز لامبل الذي كانت تختلف مهاراته في صناعة الزجاج ونفخه عن مهاراتها الشخصية إضافة إلى علاقتها بزميلها وصديقها المقرب هانس كوبر الذي كسب مع لوسي راي تعاطف الآخرين بسبب تجاربهما كلاجئين.

كان فريتز لامبل صاحب شركة الأزرار الزجاجية هو من شجع لوسي راي على استخدام مهارتها في صناعة الخزف لصنع الأزرار خلال حقبة الأربعينيات في بريطانيا التي مزقتها الحرب. أنتج الخط الجانبي لحرفتها هذا قطع زينة وديكور مفعمة بالألوان كأزرار على هيئة صدفات محار ومراوح مصغرة وأزهار معدنية ومربعات بألوان مرجانية أو كريمية أو حتى باللون الأزرق الغامق مع اللون الداكن الذي يتخلله الأبيض.

تذكرت عندها إحدى مجموعات إيسي مياكي (خريف/ربيع لعام 1989/1990) التي امتلأت بأزرار لوسي راي الفنية الرائعة على ياقات وثنيات المعاطف الكبيرة الناعمة رغم أنه لم تكن لدي أدنى فكرة عن الوقت الذي تعاون فيه هذين الفنانين وارتبطت أعمالهما معاً.

aus_lucie-rie-buttons-on-left-that-she-gave-to-issey-miyake-appeared-in-his-aw-1989-90-collection-credit-courtesy-of-issey-miyake-archive

ابتكرت لوسي راي الأزرار الخزفية هذه (على اليسار) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتحل محل الأزرار المصنعة بهيئة عسكرية استمر طرحها للبيع حتى ذلك الحين بألوانٍ وأشكالٍ براقة. أعطت لوسي راي تشكيلة مختارةً من هذه الأزرار لمصمم الأزياء إيسي مياكي التي ظهر بعضها في مجموعته لخريف وشتاء 1989/1990. أوصت لوسي راي قبل وفاتها عام 1995 بإعطاء مجموعتها الشخصية من الأزرار لمياكي.

فهمت أكثر عما قد يجمع بين إيسي مياكي وجوناثان أندرسون بعد قراءة مقال مارك هولبورن الافتتاحي في كتاب Irving Penn regards the work of Issey Miyake (الذي أصدره دار نشر جوناثان كيب Jonathan Cape عام 1999). تظهر أغلب التعابير الفنية لأعمال إيسي مياكي من خلال تعاونه مع مصور الأزياء الفوتوغرافي إيرفينغ بِن طوال عقد من الزمن. فقد نشأت شراكة فنية قوية بينهما حوّلت أعمال مصمم الأزياء الياباني هذا إلى مستوى أعمق بكثير من حيث الأشكال والأقمشة، حيث أظهرا الجمال القبلي بأزياء مستقبلية رائعة. فقد بدت وكأن للأجساد شخصيات منفصلة عن ملابسها تتحرك في خطوط مستقيمة متوازية. كانت هذه الصور تتحدث عن حركة الجسم مع وعكس الأقمشة في آن واحد. كتب هولبورن قائلاً: “كانت تصاميم مياكي واضحة في خلوها من الإثارة الجنسية. لا توجد إشارات شهوانية في أعماله بل إنها تحتفل بنقاء الجسم بدلاً من ذلك. يبدو أن البهجة الداخلية حلت محل الرغبة الجنسية في تصاميمه”.

ألا يمكن أن تنطبق هذه الكلمات ذاتها على لوسي راي وأعمالها؟ تذكرت مقالة في صحيفة الغارديان Guardian كتبها إدموند دو وال وهو صانع خزف شغوف بهذه المهنة لتقييم سيرة حياة لوسي راي. كان عنوانها Modernist Potter by Emmanuel Cooper وقد وصف إدموند دو وال خلالها لوسي راي على أنها “متواضعة ونقية كاللون الأبيض” وبأن شخص آخر بمكانتها قد يكون “متعجرفاً بشكل كبير”. كتب دو وال “تكشف أواني لوسي راي عن موهبة قوية في الإيجاز وإعادة الأشكال والتراكيب والمهام إلى وضعها الأساسي”. “وتكشف حياتها عن شخص كان قادراً على تحقيق أهدافه على الدوام”.

يمكنني تطبيق بعض نقاط ذلك الحكم على إيسي مياكي رغم كونه عميقاً هادئاً ومؤدباً في شخصيته. لكن هل يتلائم أسلوب جوناثان أندرسون مع رؤية إيرﭭينغ بِن للنقاء وغياب الدلالات الجنسية؟

أثار جوناثان أندرسون بعض القضايا الهامة في مجموعاته الذكورية والأنثوية حول دمج تصاميم الجنسين واضعاً عناصر يفترض أن تشير إلى النساء في مجموعاته الرجالية. لكنه لم يكن استفزازياً في إطار الأزياء المثيرة المألوفة أكثر. وإن ظهر فيها شيء ما فهو نحات أقمشة ومصمم أزياء ومثال على ذلك استخدام أشكال كتف مائلة للتشكيك في أسلوب الأزياء الحالي.

aus_jonathan-anderson-credit-scott-trindle

مصمم الأزياء جوناثان أندرسون. بعدسة سكوت ترايندل

سألت جوناثان أندرسون فيما إذا كان يعتقد بأن تصاميمه قد تأثرت بأعمال لوسي راي أو بقطع أخرى لمجموعة فناني الخزف البريطانيين لديه من أمثال برنارد ليتش وهانس كوبر وجنيفر لي. قال مصمم الأزياء مستعيداً في ذاكرته أعماله لشركة الجلود الإسبانية لويفي التي أصبح مديرها الإبداعي منذ عام 2013: “أعتقد أن هناك مشروعان قد تأثرا حقاً بأعمال لوسي راي”.

“لقد صممت قطعة حيث قولبنا الجلد فيها على هيئة أشكال معينة وكان الهدف منها الظهور على نحو شبيه لبعض أعمل فناني الخزف البريطانيين من أمثال [بول] كارديو وجنيفر لي. كانت الفكرة هي إعادة تشكيل الجلد بتلك الطريقة. لا يلقى فن الخزف دعماً كبيراً عندما تقومِ بتصميم قطع أزياء شبيهة به لكنني أعتقد أنه من المهم أن يعرف الجيل الجديد عن لوسي راي ومن المهم أيضاً الحفاظ على هذا الفن بأسلوب معاصر. إنني أُكنُّ كماً هائلاً من الاحترام لكافة مصممي الأزياء اليابانيين لأنني أعتقد بأن لديهم انسجام كبير مع هذه الحرفة وتقديراً عالياً لها”.

ربما كان أحد جوانب أعمال لوسي راي التي سحرته هي محاولتها تصميم الأزرار في وقت مبكر لا محالة.

“صممتُ نسخة بلاستيكية من الأزرار المبتكرة لأنني شعرت بأن عمل إيسي مياكي مع لوسي راي كان لحظة هامة بالنسبة لهذه الحرفة ولمجال التصميم معاً، لقد كانت نوعاً من الولاء والتقدير… أحببت شكلها كونها بدت قطعة نحتية مذهلة. تعتبر الأزرار أشياء فنية رائعة للغاية بالنسبة لي.

أصبح جوناثان أندرسون في الحقيقة مهووساً جداً بالأزرار التي وجد بأن شخصاً آخر قد ابتكرها في الفترة السابقة، واشترى مجموعة كبيرة من الأزرار التي عملت عليها لوسي راي في البداية.

“ما كان مثيراً للاهتمام حقاً هو الشكل الأنثوي الذي ظهرت به تلك الأزرار. كانت هناك قطع مصنوعة بزجاج رقيق جداً عليها بصمة إبهام وعندما تشاهدين شيئاً صغيراً وفنياً في الوقت ذاته تكون فكرة تفكيكهم مذهلة للغاية. إنه أمرٌ مثير فعلاً وهذا هو الشيء المدهش في أعمال مياكي حسب رأيي. إنني من أشد المعجبين به”.

شعرت بأن الوقت قد حان لفهم المزيد حول الأزرار وعن صناعة الخزف المعاصرة خلال القرن العشرين بشكلٍ عام. لذا ذهبت للقاء روبن كاودرون-ستيوارت المتخصص في الفن البريطاني الحديث ما بعد الحرب في دار مزادات سوثبيز بلندن. حيث وضّح لي أهمية لوسي راي وكيف تبرز أعمالها بالمقارنة مع النحاتين الآخرين في تلك الحقبة.

“لدى لوسي راي مكانة فريدة على عكس فناني الخزف الآخرين، فقد حافظت على خط رفيعٍ جداً بين شكل القطعة ووظيفتها، لذا تجدي في بعض أعمالها قطعاً عملية تماماً لكنها تحتوي على عناصر جمالية مدهشة أيضاً… أعتقد بأن جزءاً من السبب وراء استحواذ أعمال لوسي راي على اهتمام كلٍ من إيسي مياكي وجوناثان أندرسون وعدد من مصممي الأزياء والمصورين الآخرين بالطبع هو ارتباطها بعالم الأزياء عندما جاءت من النمسا وبدأت بصنع الأزرار في أربعينات القرن الماضي”.

عرض لي روبن كاودرون-ستيوارت أمثلة من خلال الصور ليشجعني على الذهاب إلى مركز سينسبري في مدينة نورويتش حيث توجد بعض أروع أعمالها.

“كانت لوسي صانعة خزف معروفة في النمسا قبل مجيئها إلى بريطانيا وكانت تعمل على صنع اسم بارزٍ لها… لكن عندما وصلت إلى لندن لم يكن لديها المال ولم تكن مشهورة هناك بعد لذا بدأت العمل في الزجاج وضغط وقولبة السيراميك في أحد المصانع”.

شاهدت الأزرار الزجاجية التي كانت بمثابة قطع “الأزياء” الأولى لها وقطع الخزف التي بيعت كلاها لبائعي الأزياء بالتجزئة. قال روبن: “صنعت لوسي أزراراً ودبابيس بروش وعصي ومقابض مظلات كانت جميعها قطعاً رائعةً وجميلة في اليد”. “من الواضح أنه كان من الصعب الحصول على أزرار جميلة خلال الحرب في بريطانيا مع كل عمليات التقنين التي فُرضت عليهم في ذلك الوقت لذا وجدت اختصاصاً هاماً بالفعل حينها. حيث وظفت في أحد الأوقات ست أشخاص في الاستوديو الصغير الخاص بها في شارع ألبيون ميوز وبهذه الطريقة كانت بداية هانس كوبر فنان الخزف الآخر.

“تركت لوسي عندما توفيت قوالب أزرارها والعديد من الأزرار لإيسي مياكي، وكانت قوالب الجص الصغيرة جداً هذه هي التي ينبغي عليكِ وضع الطين داخلها وتثبيت عصيّ صغيرة على ظهرها لتعليقها على الملابس. كان ذلك يشبه المصنع بطريقة ما… كما احتفظت لوسي بدفاتر الملاحظات المذهلة هذه التي تشرح آلية صناعة الأزرار بالتفصيل وتُظهر دقتها وحرصها على التفكر في كل شيء من الشكل وحتى الألوان والطلاء والمواد المستخدمة. هذا وقد حظيت أزرارها بشعبية كبيرة في ذلك الوقت. لكنها لم تتوسع مطلقاً خارج لندن وأعتقد أن السبب في ذلك يرجع إلى استمرار ظروف الحرب وقتها”.

aus_dame-lucie-rie-emerald-green-bowl-detail-credit-courtesy-of-sothebys

وعاء Emerald Green Bowl من تصميم السيدة لوسي راي (عام 1987)، يظهر طابعها في الطلاء (تم بيعه في دار مزادات سوثبيز بلندن في 16 مارس 2016 بمبلغ 40,000£ جنيه إسترليني).

سألت روبن ما هو الشيء المميز في فن الخزف الذي قد يلهم مصممي الأزياء هذين الذين وعلى الرغم من كونهما من جيلين وخلفيتين ثقافيتين مختلفين إلا أنهما ركزا على أعمال لوسي راي الخزفية بشكل كبير. فتابع حديثه قائلاً:

“أعتقد بأن هناك تميزاً رائعاً في أعمالها، فقد كانت تلوي الوعاء وتضغطه برفق شديد لتمنحه توازناً بعيداً عن مركزه. لم تكن أعمالها تشبه ما يقوم به أشخاص مثل برنارد ليتش أو مايكل كارديو الذين كانا يلويان الطين التقليدي الثقيل النمطي بطريقة عملية دون الاهتمام بالشكل. حيث كانت لوسي تقدم الشكل على الجانب العملي وأكوابها أكبر مثال على ذلك. فهي أكواب طويلة وأنيقة مع هذه القبضات الصغيرة والدقيقة التي تبدو مذهلة للغاية. يتعلق الأمر بوعيها حول موضوع الشكل بالتأكيد لكن مع اهتمامها بالتفاصيل أيضاً كالطلاء والتركيبة والقوام. وقد طورت أسلوب الطلاء البركاني الكثيف خلال حقبة الستينيات”.

حاولت أن أخص بالذكر الأساليب المختلفة التي جذبت كلاً من إيسي مياكي وجوناثان أندرسون إلى أعمال لوسي راي حسب استنتاجي الشخصي. شاهدت قطع فترة الخمسينيات التي استعملت الزخرفة التزيينية وهي مفهوم يقوم على طلاء لون واحد ثم طلاء لون آخر فوقه ثم القيام بخدش الإناء للكشف عن لون الطين الأصلي أو لون الطلاء السفلي. فكرت فيما إذا كان أحد المصممين قد استعمل تقنية مماثلة مع نماذج من الدانتيل. أوضح لي روبن بأن هناك العديد من التقنيات الأخرى التي استعملتها لوسي راي خلال فترة الستينيات وخاصة تقنية “الطلاء البركاني السميك”.

لكن كان هناك ذوق لوسي راي وإحساسها العالي بالألوان أيضاً. فعلى الرغم من اعتبارها في كثير من الأحيان صاحبة ذوقٍ حياديٍّ تجاه الألوان باتباعها تأثيرات الحجر الطبيعي إلا أن طلاءات ألوانها باتت مفعمة بالقوة والحيوية خلال فترة الثمانينات حيث استخدمت الألوان الخضراء والصفراء والوردية والزرقاء وهي بعض الألوان التي قد تجديها في مجموعة إيسي مياكي بليتس بليز Pleats Please.

قال روبن: “كانت لوسي مفتونة بطلاء اعتادت أن تدعوه الأصفر الأمريكي”. حيث استخدمت من قبل لوناً أصفر شبيه بلون الخردل نوعاً ما والذي يعتبر بريطانياً خالصاً. غير أن الأصفر الأمريكي هذا كان لامعاً ومثيراً للغاية. كانت تراكيب ألوانها جميلة على نحو خاص، فهي نوع من أكسيد الذهب المتفاعلة. وكانت فريدة من نوعها من ناحية الإنتاج فقد أطلقت مادة لمرة واحدة فقط، حيث لوتها ثم طلتها قبل أن تجف لتحصلي على ألوان قد تكون أكثر لمعاناً وجاذبية إلى حدٍ ما”.

تواصل إيسي مياكي مع لوسي راي بشكل شخصي ومباشر. لكن ما هو السبب الذي يجعل جوناثان أندرسون منجذباً إلى أعمالها على هذا النحو؟ قال روبن: “أعتقد بأن أي حرفيٍّ ماهر أو فنان متميز أو مصمم محترف سيقول الشيء ذاته. “لقد كانت استثنائيةً في إبداعاتها. فقد تمتعت بثقة كبيرة بالنفس وبأسلوبٍ خاصٍ متميز. حيث يمكنك ملاحظة وعاء لوسي راي الخزفي من الجانب الآخر البعيد للغرفة. وأعتقد بأن مجموعة الحرفيين العاملين معها يمتدون على عدد من الاختصاصات المختلفة، فهم ليسوا مجرد صانعي خزف على الإطلاق، حيث يمكن أن تجدي حائكين وأشخاص يعملون في المنسوجات من المعجبين بلوسي راي وأعمالها”.

aus_from-disobedient-bodies-j-w-anderson-at-the-hepworth-wakefield_he-explores-the-human-form-within-art-fashion-and-design-in-this-exhibition-18-march-18-june-2017

استلهم جي.دبليو. أندرسون من أعمال لوسي راي منذ طفولته. حيث سيعرض الجسد البشري من خلال الفن والأزياء والتصميم في معرض جديد له العام القادم. سيُعرض تصميم Disobedient Bodies من ابتكار جي.دبليو. أندرسون في معرض هيبورث ويكفيلد (ابتداءً من 18 مارس وحتى 18 يونيو 2017). حقوق الصورة لجي.دبليو. أندرسون.

لذا تجمع لوسي راي بين مصممي أزياء مختلفين كلياً. لم يلتقِ المصممان الإيرلندي والياباني إطلاقاً رغم جهود جوناثان لإجراء نوعٍ من التواصل مع مياكي. ورغم ذلك يبقى جوناثان مسحوراً بفن مياكي ومولعاً بإبداعه.

“اكتشفت أن ارتباط إيسي مياكي بحرفة ما حتى لو كانت شيء مثل الخزف هو شيء مذهل للغاية انطلاقاً من الطريقة التي يبني عليها لصياغة الشكل… لدي وشاح من تصميم مياكي وهو من الكتان لكنه محبوك على هيئة طيات وتوجد قطع ضخمة من البلاستيك على كلا النهايتين. إنها أشبه بالستائر لكن عندما ترتدينها تصبح نوع من الملابس الدافئة. هناك شيء مثير في التركيبة الملفوفة الموجودة في أعمال مياكي، فهي تتناسب بشكل جميل أيضاً مع فن الخزف على نحو غريب”.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في الإصدار الثاني من مجلة لانشون Luncheon الذي صدر في أكتوبر 2016 (https://luncheonmagazine.com).

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع