تابعوا ڤوغ العربية

تعرفي على مسيرة أوّل مصمم أزياء سعودي.. عدنان أكبر

من الرسم إلى الإبداع، ومن مكة إلى العالم، مسيرة أوّل مصمم أزياء سعودي المصمم عدنان أكبر، ثرية بالمحطات وغنيّة بالرقي والأناقة، أقام معارض كثيرة عالمية خارج وداخل المملكة وكسب من خلالها جوائز عالمية على مستوى القارات الخمس.

 

من الرسم في خلال سنوات الدراسة وبدعمٍ من والدته، حلّق المصمم السعودي العالمي عدنان أكبر في سماء الأزياء ليحقق نجاحاً كبيراً وليخطّ اسمه على صفحات تاريخ الموضة لا سيما بعد أن ارتدت من تصاميمه أسماء كبيرة كحرم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك التي رغب أن يقدم لها هدية من التراث السعودي في مهرجان «المملكة بين الأمس و اليوم» تحت رعاية الملك سلمان حفظه الله، والأميرة ديانا سبنسر بناءً على طلب الديوان الملكي الذي أراد أن ترتدي الأميرة البريطانية في خلال زيارة أتت بها في العام 1984 إلى المملكة برفقة زوجها الأمير تشارلز زياً من تصميمه يكون واجهةً مشرفة للمملكة وأسماء ملكية من العائلة المالكة السعودية وعائلة الصباح الكويتية وعائلة آل نهيان الإمارتية وعائلة آل ثاني القطرية وحرم الرئيس العراقي صدام حسين وحرم الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالإضافة إلى الفنانات نبيلة عبيد وشريهان والأسطورة اللبنانية الراحلة صباح.

التحق عدنان أكبر في فرع العلوم السياسية، إلا أنه سرعان ما فضّل هجرها ليلحق بشغفه فغاص في عالم الموضة واكتشف أسرار التطريز وتزيين الأقمشة بالجواهر وأمضى ليالٍ طويلة في وضع الحجارة في تصميماته ومواءمة البريق على المخمل والبقعة. إلا أن ما تعلّمه لم يشفي غليله فقرر استكمال دراسته في بيروت عام 1968 في دار الأزياء الفرنسية الشهيرة مدام سيلفيا، قبل أن ينتقل إلى باريس للعمل في مكتبة Vogues.

قد يستغرب المرء أن يخرج من المملكة العربية السعودية ذات البيئة المحافظة مصمم أزياء، إلا أن عدنان أكبر لم يجد يوماً في طبيعة البيئة السعودية ما يحدّ اختياراته أو يضيّق أفقه، بل على العكس كان لمكّة حيث وُلِد فضلٌ في إغناء ذوقه، وقد شرح وجهة نظره قائلاً: «مكة كانت وما زالت ملتقى الحضارات والثقافات إذ تجمع الناس من كلّ حدبٍ وصوبٍ في خلال المواسم الدينية على مدار العام، مما منحني منذ كنت صغيراً فرصةً لأتعرف على ثقافات وتقاليد بلدان مختلفة فتكونت عندي خلفية عريضة لمختلف أزياء العالم وقد حرصت على ترجمتها في تصاميمي بأسلوبي الخاص». مع تطور مسيرته المهنية، دأب المصمم على الحفاظ على التراث والأزياء التقليدية السعودية وتطويرها لتكون مواكبة ومناسبة للعصر بما تؤمنه من راحة وأناقة فتجذب الجيل الجديد.  كانت والدته تستشيره في تصاميم فساتينهت، وعند الحديث عنها يظهر امتنانه لها واضحاً في صوته، وقد أسهب بالحديث عنها فقال: «والدتي هي الملهم الرئيسي لموهبتي. كانت سيدة أنيقة تختار بعناية ما يليق بها. وضعت ثقتها في رأيي ووجهتني دائماً لاختيار الأنسب. كانت سيدة مجتمع بارزة، فكانت تنقل لي نظرةً شاملة عن الملابس التي تلفت نظرها في المناسبات الاجتماعية النسائية».

والدتي هي الملهم الرئيسي لموهبتي. كانت سيدة أنيقة تختار بعناية ما يليق بها.

ومن تصميم ملابس والدته وتنسيقها، قرر عدنان أكبر الانطلاق إلى أفقٍ أوسع متحدياً كل الصعاب والعقبات التي قد تواجه مطلق إنسان طموح. في العام 1980 اقتحم عالم الموضة العالمي فطرق باب ميلان، إحدى أهم عواصم الموضة في العالم ودخل مصطحباً معه 14 تصميماً، وقد قال: «أردت أن أصل إلى العالمية بأي ثمن! قدمت عرضاً دُعي إليه نخبة إعلامية مختصة بالموضة أثنت جداً على عملي». لا يمكن للمصمم الشهير أن ينسى هذا الموقف، فمعه ذاق طعم النجاح العالمي لأوّل مرة، انبهار هذه النخبة أبهره وأطربه قولها إنه أعاد للمرأة أنوثتها وأحيى بعرضه أجواء ألف ليلة وليلة.

بعد هذا العرض الناجح، تتالت النجاحات، فقد أسس عام 1970 «بيت أزياء عدنان أكبر» والذي كان المنزل الوحيد للهوت كوتور في الشرق الأوسط والمعروف عالمياً وهو يتخصص في تصميمات الأرابيسك الفريدة من نوعها والمصنوعة بشكل فاخر من جواهر التطريز والفسيفساء متأثرةّ بثقافتها الشرقية وإحساسها الطبيعي بالطراز الأوروبي. وفي العام 1988 أبرم عقد تعاون مع مصنعي المنسوجات الفرنسيين Bianchini-Férier نتج عنه تصاميم مزجت الفخامة العربية والفرنسية الفريدة وأظهرت ذكاء عدنان وكرسته رائدًا في صناعة الأزياء في المملكة العربية السعودية.

وتكريماً لإبداعه، نال المصمم العالمي في العام 1987 أول لقبٍ له (أوّل مصمم سعودي) حين اشترك في عرض أزياء عالمي للقارات الخمس في باريس في ساحة التروكاديرو بحضور أكثر من ١٠٠ ألف متفرج واختتم بفستان شهرزاد المطرز بأحجار الكريستال. بعد هذا اللقب كرمه السفير السعودي في فرنسا جميل الحجيلان بعد تقديم زي تراثي لزوجات رؤساء الدول التي أقيم فيها معرض المملكة بين الأمس واليوم تحت رعاية الملك سلمان حفظه الله، كما حصل على جوائز عدة أهمها الترايمس من عاصمة الموضة باريس تسلّمها من السفير الفرنسي لدى المملكة بجدة. إلا أن لقب سان لوران الشرق الأوسط من أكثر الألقاب التي أسعدته فقد قال: «رفعني هذا اللقب إلى مصاف المصممين العالمين، فزارني عدة مصممين ومدراء في دار الأزياء الخاصة بي منهم رئيس مجلس إدارة كريستيان ديور».

بحسب المصمم العالمي، نجاح تصاميمه يُعزا إلى عدة عوامل أهمها شغفه بالعمل الذي يقدّمه يليها حرصه على تعلم حرفة الخياطة المتقنة (الهوت كوتور) وليس فقط التصميم والرسم، وهي نصيحة يوجهها لكل من يرغب في دخول عالم الأزياء، واهتمامه البالغ بذوق الشخصية التي يصمم لها وبنوع المناسبة التي تودّ المشاركة فيها، وقد شرح استراتيجيته في العمل قائلاً: «أحرص على مقابلة الشخصيات للتعرف على أذواقهم ونوع المناسبة لأحدد الخطّ الذي سأعتمده في عملي. أحاول أن ألتزم بالمناسبة والمجوهرات التي ترغب السيدة بالتزيّن بها لأصمم الفستان الملائم،» وأضاف: «أسعدني التعامل مع نساء مثقفات لديهن الوعي الكامل بأن المصمم هو الشخص المختص بالتصميم والذي يستطيع ابتكار القطعة الملائمة للشخصية».

وبعيداً عن المناسبات التي قد تفرض عليه خطوطاً معينة، اشتهر المصمم السعودي بتصاميم مذهلة تبدو وكأنها تخرج من عالم الأحلام لتتجسد بين يديه حقيقةً مثيرة ومنها فستان الشمس، ولهذا الفستان قصة رواها المصمم كما يلي: «كان هذا الفستان في الأصل لحفل زفاف عائلة من عوائل جدة وأثناء تنفيذه خطرت لي فكرة جريئة ولكنها كانت صعبة التنفيذ. لطالما حلمت بتجسيد هذه الفكرة وتحويلها إلى واقع وبعد محاولات متعددة وجهدٍ جبار نجحت فكرتي واكتمل فستان الشمس ليجول العالم أجمع قبل أن يستقر على جسد الفنانة الاستعراضية المصرية شريهان». هذا الفستان لم يكن حلمه الوحيد أو الأخير، فهو يعتقد أن لا حدود لطموح المبدع ودائماً هناك الجديد، وقد قال: «أحلم ببناء دار أزياء سعودية تحاك بأيدي سعودية، تُعرّف العالم بالزي السعودي الغني وبالهوت كوتيور السعودية،» فهو دائماً يضع المرأة السعودية في مقامٍ عالٍ من منطلق درايته وخبرته في ما تحبه وما يليق بها وإيماناً منه بإلمام هذه المرأة بكل ما هو جديد وبثقافتها الواسعة واطلاعها الكبير على مختلف جوانب الموضة العالمية.

مكة كانت وما زالت ملتقى الحضارات والثقافات

يحاول المصمم السعودي أن يواكب الاتجاهات الجديدة معتبراً أي جديد فرصةً لبثّ روح جديدة في أفكاره ولتقديم تصاميم بحلةٍ جديدةٍ وبطريقةٍ يستسيغها الجيل الجديد ويرى فيها انعكاساً لذوقه وتطلعاته. وقد أبدى عدنان أكبر رأيه بأزياء هذا العصر قائلاً: «الأزياء في وقتنا الحاضر تواكب سرعة العصر واختلاف التقنيات. في ظلّ التطور اليوم أرى سهولة في توارد الخواطر والأفكار وألاحظ عبر مواقع التواصل الاجتماعي إبداعات شباب صاعد استفاد من التكنولوجيا الحديثة ليجسد أفكاره بسهولةٍ ويسر أكثر من الجيل السابق،» وأضاف: إلا أن الجمال والأناقة من مميزات جميع العصور. فعلى مرّ التاريح كانت المرأة تلتزم بما يناسبها ويلائم شخصيتها والألوان التي تلائم بشرتها لتتألق بمظهرٍ أنيق».

إبداعات لا تُعدّ وجوائز وتكريمات لا تُحصى، إلا أن الإنجاز الأبرز الذي يملأ روح المصمم السعودي العالمي فخراً وزهواً هو ابنته، وقد بدت الفرحة والعزّة في صوته حين قال: «وهبني الله ابنة موهوبة مثلي تماماً وتشاركني الشغف بالأزياء. تدربت على يدي منذ نعومة أظافرها وهي الآن يدي اليمنى في عملي وتشرف على تصميم فساتين الأفراح والسهرة وكل ما يتعلق بدار الأزياء،» وتابع قائلاً: «إنها امتداد لأحلامي وضمانة بقاء اسمي عالياً في عالم الأزياء. اليوم حتى وإن تراجع عطائي، أنا على ثقةٍ تامة أنني سلمت الطريق لمن يقدّره ولمن يفهم كيف يتابع المسيرة ليصل بها إلى مراتب أعلى وليحقق نجاحات أهم». إلا أنه بعد بقوله هذا، نفى المصمم أنه سيتوقف نهائياً عن التصميم، فالتصميم حسب قوله شغفٌ وليس مجرد عمل. عند سؤال وريثة الموهبة أضوى أكبر عن والدها وعن العمل مع والدها جاء رأيها مشابهاً لرأيه إذ قالت: «استفدت الكثير من خبرة والدي في عالم الأزياء. أفضل ما حظيت به هو والد اكتشف موهبتي وحرص على تدريبي منذ صغري لأصقلها وعلّمني أدق تفاصيل الفنّ وتصميم الأزياء لأضمن النجاح. أنا فعلاً امتدادٌ له ولأحلامه له. يسعدني جداً أن أُظهر أفكاري وأجسدها في تصاميم مبهرة على أرض الواقع تتميز بأناقة وعراقة التي لا تنتهي».

المكياج EILAF SABBAGH العارضة ASMA NASR

مع حلول جائحة كورونا استفاد المصمم العالمي السعودي من فترة الراحة القصرية التي فُرضت على العالم أجمع ليجدد أفكاره وليتأمل وينجز تصاميم جديدة مبتكرة وليتفرغ لافتتاح فرعِ جديد للهوت الكوتور والفساتين الجاهزه للأفراح والسهرة في جدة، وهو يستعد لافتتاح متجرٍ إلكتروني قريباً ويخطط لافتتاح فرع جديد في الرياض.

تصوير Kinzy AlSaheal

الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات ڤوغ العربية عدد شهر يونيو 2021 

أقرئي أيضاً: معرض كريستيان ديور: «مصمم الأحلام» إلى نيويورك الخريف المقبل

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع