تابعوا ڤوغ العربية

’’لا يمكن أن نكون حكرًا على فئة معينة‘‘ – ديمنا ڤازاليا يتحدث عن إعادة إطلاق أزياء ’بالنسياغا‘ الراقية وفتح صالوناتها للجميع

بعد أكثر من نصف قرن على إغلاق كريستوبال بالنسياغا أبواب دار أزيائه في 10 شارع جورج الخامس، ها هو ديمنا ڤازاليا يعيد إطلاق الأزياء الراقية للدار، ومعها يقدم أرقى تعابير عالم الموضة في القرن الـ21. ولكن ترى، هل يمكن أن تكون الأزياء الراقية للجميع حقًا؟

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

ثمة أحداث في تاريخ الموضة ستظل عالقةً في الأذهان إلى الأبد. وعادةً ما تتسم تلك الأحداث بالبريق واللمعان، وتنطوي على طاقة غامرة تجذبنا نحوها، تمامًا مثلما تنجذب الفراشات نحو الضوء. ومن ذلك نذكر عرض جون غاليانو الذهبي الباهر المستوحى من قدماء المصريين الذي قدمه لـ’ديور‘ في موسم ربيع 2004، أو فستان ليدي غاغا المصنوع من اللحم الحقيقي. ثم، سادت فترات هادئة اتسمت بأن الأناقة تكمن في البساطة، فأذهلتنا تلك الفترات بجمالها الهادئ والرائع في الوقت ذاته. وإلى هذه الفئة الثانية ينتمي الحدثُ الذي جرت وقائعه في 10 شارع جورج الخامس التاريخي خلال أسبوع الموضة في باريس –أول أسبوع يُقام بعد الجائحة– حيث قدم ديمنا ڤازاليا أول مجموعة له من الأزياء الراقية لدار *’بالنسياغا‘*(2)، بعد 53 عامًا بالتحديد من إغلاق كريستوبال بالنسياغا أبواب دار أزيائه الراقية.

ديمنا ڤازاليا المدير الإبداعي لدار ’بالنسياغا‘. الصورة: BFRND

كثيرًا ما تساءل الكتّاب عن جدوى الأزياء الراقية، وما إذا كانت لا تزال تعني شيئًا اليوم. ففي زمن تسير فيه حياتنا بوتيرة سريعة وتتوافر الأزياء أكثر من أي وقت مضى، يتساءل النقّاد عن ما إن كان عالم البراعة الفنية المكلف وذو الطابع الرسمي الذي تتسم به أرقى أشكال التعبير في قطاع الموضة لا يزال يحتفظ بمكانته في الوقت الذي تسود فيه الأحذية الرياضية والشعارات الكبيرة. وقد توصلت جزئيًا إلى الإجابة عن هذا السؤال حين تلقيتُ في غرفتي بالفندق دعوة جميلة لحضور عرض الموسم، والذي تمثّل في: مجموعة ’بالنسياغا‘ الخمسين للأزياء الراقية التي تعدّ أول مغامرة لڤازاليا في هذا العالم. وكان الظرف المعتاد الموقع بخطّ اليد مصحوبًا بصندوق أسود صغير يحوي نسخة طبق الأصل من الكشتبان [قمع يغطِّي طرف إصبع الخيّاط ليقيه وَخْز الإبر] الذي استخدمه كريستوبال بالنسياغا نفسه في صنع تصاميمه اليدوية النحتية. وكانت الإشارة واضحة.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

 

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

قال لي ڤازاليا في اليوم السابق للعرض: “لقد أصبحت فكرة أن الأزياء الفريدة تشعرك بالتميز أكثر ارتباطًا بي تمامًا بعد الجائحة و[بعد] هيمنة البناطيل الرياضية”. وكان يجلس في غرفة فارغة بمقر شركة ’كيرينغ‘ مرتديًا ملابس سوداء بالكامل شملت سترة بقصة فضفاضة وحذاء طويل الساق بكعب. “مثل كل الناس، أمضيتُ مدة الحظر مرتديًا البيجاما. ولكني بعد ذلك أدركت أني أحتاج إلى ملابس أسعد بها نفسي، وأحس معها بأني إنسان. وحتى خلال العزلة، أخذت أتأنق كل يوم، بل وبأسلوب أكثر بذخًا من ما أعتده. فأدركت مدى تأثير الأزياء على النفس البشرية. إنها قد تحيلك من مجرد إنسان كسول لا يغادر أريكته ويشاهد برامج نتفليكس طوال اليوم إلى إنسان رائع. والأزياء الراقية تفعل ذلك أكثر من الأزياء الجاهزة لأنها تنقلك [إلى حالة أخرى]. إنها مجال للتجربة بالنسبة لي”.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

 

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

ورغم أن اختياره لهذا التوقيت بعد الجائحة يبدو منطقيًا لبدء هذا الفصل الجديد، يقول ڤازاليا إن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، وإنه كان يفكر في اقتحام دنيا الأزياء الراقية حتى قبل فرض الحظر عالميًا. ويستطرد مبتسمًا: “بعض الناس لا يعلمون سوى أنني رجل الأحذية الرياضية”، ويردف: “وهذا بعيد تمامًا عن هويتي كمصمم، وقد شعرتُ خلال عملي في هذه الدار، بالنظر إلى التراث الهائل والفريد لمؤسسها، بأنني لن أتخلص أبدًا من تلك الرؤية، رؤيتي الهرمية، دون تصميم الأزياء الراقية. لذا بدأت في الواقع التفكير في هذا الأمر قبل تفشي الجائحة”.

كريستوبال بالنسياغا. الصورة: خوان خينيس

وكان كريستوبال بالنسياغا قد أسس داره في مدينة سان سباستيان الإسبانية عام 1919. وبعد نشوب الحرب الأهلية الإسبانية، رحل إلى باريس حيث أعاد إطلاق علامته عام 1937 فحقق نجاحًا فوريًا. وقد عُرف بالنسياغا، وهو ابن امرأة كانت تعمل خيّاطة، بسعيه الذي لا يبارى نحو الكمال وبحثه عن الجمال في الأشكال المعمارية واستخدامه الدائم للون الأسود. وقد سُمي بملك الموضة، ولا يزال عديد من تصاميمه جزءًا من مفردات الموضة حتى اليوم، ومنها معطف العباءة، وفستان السهرة بالبالون المزدوج، وفستان الزفاف بالكاب، والفستان الأسود الذي لا يُنسى على شكل الوردة. وقد التقط المصور إرڤينغ بين عددًا من أشهر تصاميمه عام 1967 لصالح ڤوغ الأمريكية.

فستان ’بالنسياغا‘ المُصمَم على شكل وردة بعدسة إرڤينغ بين على صفحات ڤوغ الأمريكية عام 1967، وفستان من أرشيف ’بالنسياغا‘

وبعد وفاة كريستوبال بالنسياغا عام 1972، فقدت الدار نفوذها ولم تعد إلى الأضواء سوى عام 1997 حين تولى نيكولا غيسكيير منصب مديرها الإبداعي. وبسبب لعبة الكراسي الموسيقية التي لا تنتهي قط، انتقل غيسكيير إلى ’لوي ڤويتون‘ عام 2013 وحل محله ألكسندر وانغ المقيم في نيويورك. وبعد ثلاث سنوات، تولى المصمم الجورجي ڤازاليا، الذي لم يكن اسمه معروفًا نسبيًا، زمام الأمور بالدار. وكان ڤازاليا، الذي تدرب في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في مدينة أنتويرب البلجيكية، قد لفت الأنظار عندما كان عضوًا بفريق التصميم الجماعي لعلامة ’ڤيتمان‘ (وهي كلمة تعني “الملابس” بالفرنسية). ورغم أنه لم يكن الاسم الضخم المتوقع توليه أحد أكثر المناصب أهميةً في عالم الموضة، فمن المؤكد أنه كان يتمتع بالمهارات اللازمة التي تؤهله لإبداع مجموعات مؤثرة ومثيرة للجدل.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

وبصفته عضوًا في مجموعة المبدعين السبعة الذين قادوا ’ڤيتمان‘، يعزى إليه الفضل في إعادة ابتكار إطلالات الشارع بأسلوبه التفكيكي، والذي أكسبه حشدًا من المعجبين من أمثال كانييه ويست، وريهانا، وكيم كارداشيان، في حين ظل يتواصل مع الجيل الأصغر سنًا من عملائه. وقد أضفى ڤازاليا على ’بالنسياغا‘ تلك الروح التفكيكية المنعشة الهادفة لإعادة البناء. ولكن هذا لا يعني أنه تخلّى عن القواعد الأصلية للأزياء الراقية، حتى وإن كانت أزياؤه الراقية أبعد ما تكون عن كل ما هو دارج ومألوف. “تواجه الموضة حالة من التراجع، وأعتقد أننا بحاجة لتثقيف العملاء”، بهذه الكلمات صرح ڤازاليا بينما غلبت على صوته نبرة الإحباط، وأضاف: “نحتاج لفتح حوار مع جمهورنا كي يستوعبوا ما يستلزمه تقديم منتج جيد، وأسباب ذلك. لقد تفكك مجال الموضة والأزياء تمامًا بفعل تلك الفوضى الرقمية الحادثة على هواتفنا. وهذا أمر جد خطير لأنه خلال 20 عامًا، لن يعرف جيل الألفية، أو أي ممن يقودون معظم علامات الأزياء الفاخرة، أي شيء عن الجواكيت التفصيل أو صناعة الملابس الحقيقية”.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

ويرى ڤازاليا أن التثقيف على هذا النحو لا بد وأن يسفر عن ظهور أسلوب جديد للاستهلاك تحتل فيه الاستدامة المرتبة الأولى. ويردف: “وهذا نقاش آخر علينا الخوض فيه، وأنا لست حتى بصدد الحديث عن أسلوب صناعة الأزياء، الذي من المفترض ألّا تكون الاستدامة محل جدال فيه بعد الآن”. ويستطرد: “تتكلف الأزياء الراقية مبالغ باهظة، وبطبيعة الحال لن تكون في متناول الجميع. ولكن بإمكان كل منّا ادخار بعض المال وتقليل شراء المنتجات التي لا قيمة لها لنشتري بدلاً منها قطعًا فريدة يدوم إعجابنا بها للأبد. وحتى على المستوى الشخصي، تجردني الأزياء الراقية من الرغبة في شراء خمسة أحذية رياضية وثلاث حقائب و20 تيشيرت، فيما تدفعني لشراء جاكيت راقٍ واحد من الدينم. وهذا لا يعني بالضرورة أن تتوقف عميلاتي عن شراء الأزياء الجاهزة –وهو ما لن يحدث أبدًا– وإنما عليهن إعادة التفكير في الأمر، حتى وإن بلغ سعر القطعة 20 ألف دولار أمريكي. إذ بإمكاني المواظبة على الادخار على مدى عام كامل مستغنيًا عن خيارات معينة، ولكن في المقابل سيعتريني شعور بالغ بالروعة وأنا أرتديها”.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

 

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

“رائع”، كلمة لا تمثل إلا غيضًا من فيض ما يمكن أن نصف به عرض الأزياء الراقية الأول لڤازاليا؛ فقد اهتزت له المشاعر، وكان ملهمًا، وزاخرًا بالقطع المرغوبة بشدة. وداخل الصالونات الأصلية للدار الشهيرة، تهادى فريق من العارضين والعارضات من مختلف الأعمار بإطلالات متنوعة (وهو ما يمثل ملمحًا أساسيًا في جميع عروض ’بالنسياغا‘) على منصة عرض الأزياء في ظل هدوء تام –دون تشغيل موسيقى في الخلفية– متألقين بأزيائهم الباهرة التي تزهو بتصاميمها المثالية. هذا ولم يخل العرض من ظهور بعض السمات التقليدية لمؤسس الدار، وهو ما تجلّى واضحًا في معظم الإطلالات الفضفاضة، والتفاصيل البسيطة، وحضور اللون الأسود، فيما طغت رؤية ڤازاليا على الفساتين المثيرة والفضفاضة بتصميم المعاطف الخفيفة، وكذلك على الإطلالات المصنوعة من الدينم المعاد تدويره، والجواكيت الرياضية المعاد تصميمها إلى فساتين الـ”كوكون” الفاخرة. يقول: “من أكثر ما كان يقلقني أن تبدو هذه المجموعة كاحتفاء [بشيء ما]”، ويضيف: “كنت أشعر بالضغط جراء إعادة إطلاق الأزياء الراقية في دار عريقة كهذه، ولكن الضغط الأكبر بالنسبة لي كان حرصي على إظهار أسلوبي الخاص في الأزياء الراقية”.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

ولتحقيق النتيجة المرجوة، أخبرني ڤازاليا أنه تجنّب أيضًا الأسلوب التقليدي في تجهيز مشاغل الأزياء الراقية؛ حيث كان الحرفيون من ذوي الخبرة والأكبر سنًا يضطرون للانكفاء لساعات وظهورهم منحنية من أجل تنفيذ التطريزات الدقيقة وتركيب الكرات المنفوشة على الفساتين. وبدلاً من ذلك، استعان بعناصر من الشباب من فريقه الخاص للأزياء الجاهزة على أمل أن يسهم هؤلاء في الحفاظ على استمرارية مهنة الأزياء الراقية المهددة بالانقراض. ولكن هذا النهج المزلزل لم يتوقف عند منصة عرض الأزياء أو خط الإنتاج، فقد كان يأمل أيضًا في جعل الأزياء الراقية في متناول عدد أكبر من الناس في بيئة أكثر ترحيبًا، وهو ما يتناقض مع الاتجاه إلى الحصرية المتبع في هذا القطاع الذي تهيمن عليه الأساليب القديمة.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

“لا تستهدف الخطة أن تصبح الأزياء الراقية أمرًا عالميًا وضخم الكميات. لدينا صالوننا الخاص للأزياء الراقية الذي نستقبل فيه العملاء حسب جدول مواعيد، ولكنه سيكون مختلفًا عن ما كان عليه في الخمسينيات والستينيات”، هكذا أوضح المصمم، مضيفًا: “كان معروفًا عن ’بالنسياغا‘ أنها لا تسمح للناس بدخول صالونات أزيائها الراقية. وأرى أنه من أهم الأمور التي ينبغي قولها إنه علينا فتح هذه الصالونات. يجب ألا نكون حكرًا على فئة معينة. وإذا كان لدي عميلات للأزياء الجاهزة ينفقن كثيرًا من أموالهن على المجموعة المعروضة بالمتجر، فربما يرغبن أيضًا في شراء قطعة من الأزياء الراقية. وربما يشترين القطعة الثانية في غضون عامين، ولكني أريد أيضًا فتح الحوار مع العميلات اللواتي لا يمثلن العميلات المتوقعات المعتادات ممن يبتعن أزياءهن من دور الأزياء العريقة الأخرى ويأتين إلينا بطائراتهن الخاصة. أريد الانفتاح أكثر على عامة الجمهور، كي يتعرفوا إلى الأزياء الراقية، وتتسنى لهم فرصة تجربتها أيضًا”.

إطلالة من مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2021 من ’بالنسياغا‘ بعدسة أكسيل مورين

 

اقرئي أيضاً : بالمزاد العلني سيتم بيع مقتنيات المصمم الشهير كارل لاغرفيلد قبل نهاية هذا العام

 

نشر للمرة الأولى على صفحات عدد سبتمبر 2021 من ڤوغ العربية.

 

تنسيق الأزياء: أمين جريصاتي

المكياج: ماريون روبين

مساعدا التصوير: بيتي هوك وأنطوان بيرنارد

مساعدة تنسيق الأزياء: إليس تيستو

الإنتاج الإبداعي: لورا بريور

إنتاج: فرينزي برودكشن

مدير اختيار فريق العمل: تروي ويستوود

العارضة: شانيل سياسي من وكالة “سيليكت موديلز”

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع