تابعوا ڤوغ العربية

في حوار حصري.. هكذا تتأهّب إيريس فان هيربن لابتكار أزياء راقية لم يعهدها العالم من قبل

بفضل تعطّشها الدائم للمعرفة واكتساب خبرات جديدة، تمهِّد مصممةُ الأزياء الهولندية إيريس فان هيربن الطريقَ أمام ابتكار أزياء راقية لم يعهدها العالم من قبل.

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

إذا اعتبرنا الأزياء الراقية مصنعاً للأحلام، فستكون إيريس فان هيربن واحدةً من أمهر صنّاع تلك الأحلام؛ فبطابعها غير المتكلّف وكلامها الرقيق وحسّها المرهف، لطالما نجحت هذه السيدة ذات الشعر الأشقر المائل للأحمر في جعل نجوم الصف الأول من مرتادي عروض أزيائها يحملقون بذهول طفولي في إبداعاتها الرائعة التي تبدو وكأنها قادمة من عالم آخر، وذلك رغم تشبعهم بحضور مثل هذه العروض. “تبدين وكأنكِ ترتدين لوحة فنية، فما تبدعه [هيربن] له خصوصية فريدة، وكل قطعة في مجموعتها تشكل مفاجأة استثنائية”، هكذا أوضحت ليزلي فريمار، منسقة الأزياء الهوليوودية المحنّكة التي تولّت مؤخراً تنسيق إطلالة النجمة إيڤا غرين على السجادة الحمراء خلال حضورها حفل العرض الأول لأحد أعمالها في لوس أنجليس بفستان يحمل توقيع فان هيربن. تقول: “لقد أحبّت إيڤا فستانَ إيريس ما أن وقعت عليه عيناها، فقد أعجبها ما انطوى عليه من فنون وبراعة حرفية. وفي الواقع، لم يسبق لي أن تلقيت مثل هذا التعليق الإيجابي على أي فستان من قبل”. ولا ترتدي تصاميم إيريس أيّة امرأة كانت، فمن تُقبِل على هذه التصاميم هي حتماً امرأة من نوع خاص، ومن بين هؤلاء بيورك، وسولانج نولز، وتيلدا سوينتون، وغويندولين كريستي، و كارا ديليڤن وكيت بلانشيت، وليدي غاغا؛ فكل هؤلاء يملكن الشخصية التي تضمن عدم ضياع هويتهن الحقيقية في خضم هذا الإبداع الفني، كما يملكن البراعة الفنية للتألق بهذه الأزياء الاستثنائية المستوحاة من عالم الخيال.

المصممة إيريس فان هيربن مع العارضات المشارِكات في عرض مجموعة أزيائها الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

المصممة إيريس فان هيربن مع العارضات المشارِكات في عرض مجموعة أزيائها الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

ومنذ تأسيس شركتها عام 2007، وجدت مصممةُ الأزياء الهولندية فان هيربن ضالتها في محاولة استكشاف أوجه الشبه بين جمال الطبيعة الأم والجمال النابع من ابتكارات الإنسان. ولذلك، نجد الطبعات ثلاثية الأبعاد من السمات المميِّزة لأسلوبها في التعبير عن الأزياء، بالإضافة إلى إقدامها على استخدام خامات غير تقليدية. وتعمد فان هيربن كذلك إلى تسخير الأساليب الحديثة والتكنولوجيا المتطورة لخدمة إبداعاتها، فتطالعنا بأزياء نحتيّة تفيض في صميمها بالحركة.

“في عالمي، لا أرى أي فرق بين الطبيعة والتكنولوجيا، فكل منهما لها تأثيرها على الأخرى، وهما ترتبطان بحياتنا بشكل واضح، بل وبأجسامنا في الآونة الحالية. أعتقدُ أنهما بمثابة تعبير محض عن الازدواجية في حياتنا”، هكذا صرحت فان هيربن من داخل مشغلها الخاص الذي يطلّ على إحدى القنوات المائية العديدة في أمستردام. وأضافت: “تجمع القطع التي أبتكرها بين سمات عالميّ الفن والموضة، وتعتريني مرونة بالغة حيال نظرة الناس إليها [سواء باعتبارها جزءاً من الفن أم من الموضة]، فالتفسيران صحيحان”.

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

نشأت فان هيربن في أحضان قرية هادئة خارج مدينة أمستردام، ونشأت في كنف والدتها معلمة الباليه ووالدها الذي كان يعمل مستشاراً لدى هيئة حكومية مسؤولة عن المياه. ولما كانت حياتها الريفية تكبح جماحَ خيالها لأنها كانت خالية من التلفزيون وشاشات الكمبيوتر، فقد فاضت فترة نشأتها وتشكيل وجدانها بالرسم، وعزف الكمان، وعشق الباليه الذي ظلت تدرسه إلى أن بلغت السادسة عشرة من عمرها. وبعد ذلك، اتجهت لدراسة تصميم الأزياء في أكاديمية الفنون المعروفة ArtEZ، وهناك تدربت على يد المصمم ألكسندر مكوين والمصممة كلودي يونغسترا، قبل أن تقرر مغادرة القرية بمفردها قاصدةً المدينة لتشق طريقها هناك.

وبسؤالها عن القوى الخارقة التي تتمنى أن تمتلكها، طالعتنا المصممةُ الهولندية المحبِّة لرياضة القفز بالمظلات بإجابة تكشف الكثير عن شخصيتها، حيث قالت بلا تردد: “السفر عبر الزمن”، وأضافت: “هناك أناس عديدون من الماضي أودُّ مقابلتهم. ولكن إذا سنحت لي فرصة العودة إلى الماضي ومقابلة شخص واحد فقط، فسيكون ليوناردو دا ڤينشي، فأنا أحبّ فيه فضوله غير المحدود تجاه الحياة بكل تفاصيلها، كما لم يخش ترك مجال ليطرق باب آخر. لم يحصر نفسه مطلقاً في قالب محدود”.

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

ويمكن القول بأن هذه الصفات ذاتها تنطبق على فان هيربن أيضاً، فهي شغوفة بسبر أغوار دروب مختلفة في العلوم والفنون على حد سواء. ودائماً ما تتعاون مع خبراء من مجالات أخرى من أجل إبداع تصاميمها، ومنهم بارت هيس، ودانيل ڤيدريج، وتارا دوغانز، وجوست ڤانديبروج. وأحياناً يتخذ هذا التعاون شكلاً مباشراً، وليس أدلّ على ذلك من تعاونها مع فنان المنحوتات الحركية الأمريكي أنتوني هاو في أحدث مجموعات أزيائها الراقية التي أطلقت عليها اسم Hypnosis (التنويم المغناطيسي)، ويا لها من تسمية مثالية لعرض أزياء مفعم بالتصاميم ذات الحركات الموجية المصممة بأنماط هندسية دقيقة.

ومن ناحية أخرى، تمتاز القطع بتصاميمها الهيكلية التي لا تخلو من الإحساس بالانسيابية، فيما تؤطر قضبان سوداء حادة حوافَ القماش، وتنساب تدرجات الألوان نزولاً مع الفستان. وبمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق علامتها، تعاونت فان هيربن مع عازفي فرقة “بيتوين ميوزيك” الموسيقية ليعزفوا لها موسيقى الخلفية في عرض حيّ من تحت الماء أثناء عرض مجموعة أزيائها الراقية التي تحمل اسم “إيريفورم”.

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية. صورة الكولاج: شاي كولاي

وتتجلّى هذه الشراكات الإبداعية جليّةً أيضاً في أسلوب عملها، فربما إذا زارت هيربن مركزَ “سيرن” الأوروبي للأبحاث النووية بجنيف لأثار ذلك حفيظتها نحو استخدام المغناطيس وتأثيره على الأقمشة. وهي حالياً مهتمة بالعمل الجاري بجامعة دلفت للتكنولوجيا، حيث توصل الباحثون هناك إلى طريقة يمكنهم من خلالها تحويل مياه النفايات إلى خامات متلألئة الألوان كالمحار. “أكاد لا أصدق ما يستطيعون فعله”، هكذا قالت فان هيربن بنبرة تستطيع الأذن معها تمييز مدى شعورها بالإثارة والسعادة. “هكذا تكون مثل الكيمياء في القرن الحادي والعشرين”. وعلاوة على ذلك، تعاونت هيربن مؤخراً مع شركة نوتلينغز رايديجيك أركيتكتس المعمارية في إنشاء مركز ناتشوراليز للتنوع البيولوجي الجديد بمدينة ليدن الذي تم افتتاحه خلال أغسطس. وفي إطار هذا التعاون، ابتكرت تصاميم ثلاثية الأبعاد من الخرسانة المصقولة بالرمال بطول يزيد عن كيلومتر كامل، كانت قد استلهمتها من الحفريات الموجودة في أرشيف المركز، وأبدعتها بحيث تحاكي في جمالها شكل الصخور عندما تتآكل بفعل عوامل الزمن. وقد تغلغلت لمستها التصميمية، مثل طبقات الصخور الرسوبية، حتى شملت المبنى بأكمله. يقول المهندس المعماري ميكيل رايديجيك إن شركته تواصلت مع فان هيربن على وجه التحديد لإعجابها بالأبحاث التي أجرتها على مراجع الطبيعة العضوية. “لقد أبهرتنا بأسلوبها المميّز في تحويل هذا الإلهام إلى جهود بحثية وابتكارية لتخرج لنا في النهاية في صورة مجموعة أزياء عصرية بتعبير جديد، وهذا بالضبط ما كنا نطمح لأن يكون عليه التصميم الجديد لمركز ناتشوراليز”.

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

من مجموعة أزياء إيريس فان هيربن الراقية لخريف وشتاء 2019. بعدسة ذا باردوس لڤوغ العربية

وقد أشعل هذا التعاون في نفس فان هيربن رغبة قوية في اكتشاف العالم من حولها. وتأتي زيارة دولة الإمارات مرة أخرى على رأس قائمة الأشياء التي تتمنى أن تفعلها. وكان أول ما أثار فضولها تجاه الشرق الأوسط أعمال ابن بلدها الفنان موريتس كورنيليس إيشر، فالجمال الرياضي الذي يظهر في نقوشه الفسيفسائية قادت هيربن لاكتشاف الجمال الهندسي في العمارة والفن الإسلاميين. تقول: “ينطويان على إتقان رياضي مذهل، والعمارة مدهشة ومميّزة عن أي شيء آخر على هذا الكوكب. إنني حقاً أريد الذهاب إلى هناك، والغوص في أعماق كل هذا”. أفكار تظل تدور في فلك عقولنا.. تُرى، ماذا يمكن أن تتفتق عنه موهبة مثل فان هيربن في مرسمها، إذا وجهت كل اهتمامها لما تمتاز به فنون الشرق الأوسط من دقة رياضية؟! لربما انتهى بها الحال لمجموعة أزياء لم يشهدها العالم حتى الآن تكون أكثر تصاميمها سحراً وأصالة، وتمزج مستقبل عالم الأزياء والموضة بتاريخ العالم وماضية بطريقة جريئة وفاتنة لا ريب.

نُشِرَ للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر 2019 من ڤوغ العربية.

اقرئي أيضاً: ڤوغ العربية تسأل: لماذا قد حان الوقت للاهتمام بأزمة التغيّرات المُناخية في الشرق الأوسط؟

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع