تابعوا ڤوغ العربية

هكذا بسطت المجوهرات الأمازيغية نفوذ جاذبيتها التي تجاوزت حدود شمال أفريقيا

زينة نسائية للرأس والصدر من مجموعة المتحف الأمازيغي في حديقة ماجوريل في مراكش.

بجمالها الذي يُعزى إلى جرأة تصاميمها وقوة الرسائل التي تبثّها، بسطت المجوهرات الأمازيغية نفوذ جاذبيتها التي تجاوزت حدود شمال أفريقيا، واليوم يساهم مصممو الأزياء ونجمات موسيقى البوب في إعادة هذا التقليد المغرق في القدم إلى الصدارة

نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر نوفمبر 2018 من ڤوغ العربيّة

في جنوب المغرب، تساعد امرأةٌ عروساً شابةً على ارتداء ملابسها والتزيُّن بحُليّها، حيث تزيِّن لها سواعدها بكثير من الأساور الفضية التي ترمز إلى القوة والحيوية، بينما تحيط عنقَها بعقدٍ مرصع بالكهرمان من مدينة فاس، وبكرات تكموت، وبأحجار ملساء بلون العقيق. ولكنَّ هذه الحُلي ليست مجوهرات حديثة، بل توارثتها الأجيال، حيث جرت العادة على ارتدائها تعبيراً عن المكانة الاجتماعية المرموقة، والثراء، والجاه، وكذلك كشعارٍ للقبيلة البدوية التي تنتمي إليها المرأة. قليلة هي نوعيات المجوهرات من حول العالم التي يمكن مقارنتها بالسحر الآسر الذي يمكن أن تبعث به المجوهرات الأمازيغية. تقول سينثيا بيكر، الأستاذة المساعدة المتخصصة في الفنون الأفريقية بجامعة بوسطن: “تفضِّل النساء الأمازيغيات الآن ارتداء المجوهرات الذهبية، وتنتمي معظم الحُلي المتوارثة عن الجدّات والمصنوعة من الفضة والمزينة بالمرجان والكهرمان إلى مجموعات المتاحف والمجموعات الشخصية الخاصة”، وتضيف أن النساء في الواقع كنَّ يتزيَّنّ بمثل تلك القطع يومياً، إلا أنهن يفعلن ذلك الآن خلال حفلات الزفاف التقليدية، ومؤخراً ظهرت تلك الحُلي على أيقونات ثقافة البوب وكذلك فوق منصات العروض.

وكانت المجوهرات، التي يشتريها رجال الأمازيغ من أجل زوجاتهم المستقبليات أو التي يشتريها الآباء لتجهيز بناتهم العرائس قبل الزفاف، تُصنَع بأنامل الحرفيين بطرقٍ تقليدية باستعمال كليشيهات خشبية وأدوات مثل المطرقة والسندان وكير الحداد وبوتقة الصهر وقوالب الصبّ، حيث كانوا يحوِّلون الفضة المصهورة إلى أساور ودبابيس للزينة. وكانت النساء يُفضِّلن هذا المعدن بسبب إشراقه – إذ تُمثِّل الفضة نقاء السريرة والتقوى وترمز إلى الإسلام، وكنَّ أيضاً يُثمَّنّ المرجان والكهرمان لخصائصهما الشفائية والوقائية. كما استُعمِلت التمائم بكثرة مثل العين التي تدرأ الحسد، أو الخمسة وخميسة، أو أي حُليٍّ متدلية أخرى ذات خمسة عناصر متكررة يُعتقد بأنها تمنح الحماية لمن ترتديها. في حين تميَّزت إكسسوارات الرأس، والتي تدعى تاونزا، بشراريب من الجواهر تشبه الغرَّة وتستقر أعلى أوشحة الرأس وتُنسَّق لتعطي انطباعاً شبيهاً بالشعر، وهي تقترن بالخصوبة لذا يقتصر التزيُّن بها على المتزوجات فحسب. في حين أن هناك مجوهرات أمازيغية أخرى على هيئة مشابك – استُعمِلت لتثبيت الأردية على الأكتاف؛ وكانت النساء يضعنها منذ آلاف السنين ولغاية منتصف القرن العشرين. ولشكل تلك المشابك دلالة وأهمية خاصة، إذ يعتقد بعض الباحثين أنَّ التصاميم المثلثة تمنع روح العين الشريرة. وإلى جانب التزيُّن بها، كانت المرأة التي تتباهى بتلك المجوهرات فوق منكبيها تلجأ إليها عندما تعاني ظروفاً مالية صعبة. ورغم أن المرأة تحصل على هذه المجوهرات كهدايا، إلا أنها تتمتع بحرية التصرُّف بها، كأن تبيعها أو ترهنها إن اقتضت الضرورة.

من عرض سان لوران ربيع 2018. INDIGITAL

وبدورهم، وجَّه الحرفيون المغاربة اهتمامهم إلى السيّاح مع ازدهار حركة السياحة. واليوم، يصوغون قطعاً معاصرة أصغر حجماً وأخفُّ وزناً. وقد أقامت المتاحف، على غرار مؤسسة بيير بيرجيه-إيڤ سان لوران في باريس ومعهد العالم العربي في دبي، معارضَ تضمنت مجموعاتٍ موسَّعة. وقد ترك سان لوران، مصمم الأزياء الراقية المولود في الجزائر، عند رحيله عن عالمنا ما يزيد على 600 قطعة أمازيغية. وسواء كانت من تصميم هادي سليمان أم أنتوني ڤاكاريللو، فقد عرضت دار سان لوران منذ ذاك الحين عديداً من القطع المعاصرة المستوحاة من الثقافة الأمازيغية. وتقدم المجوهرات الفضية، المحفورة برسومات عِرقية والمطلية بالمينا المشبعٍ بالألوان، للمرأة العصرية نسخة بطابع بوهيمي من الإكسسوارات الأمازيغية. ولا تزال المغربية صوفيا العربي، مؤسسة متجر الأزياء باكشيك في الدار البيضاء، تفضِّل زيارة المدينة في مراكش بحثاً عن مجوهرات أمازيغية أصلية لتنسِّقها مع كنزة رياضية أو ”تانك توب“. وهي تعتبر اللمسةَ الأمازيغية على إطلالتها “أصيلةً وسحريةً”. في حين تبتكر المصممة جود بن حليم قطعاً هندسية عصرية لافتة من الفضة الخالصة والنحاس المطلي بالذهب منذ العام 2011. وفي معرض حديثها عن ذلك، تقول متأملة: “بوصفها من أقدم الحُلي في الثقافات العربية، فقد ساعدت المجوهرات الأمازيغية في الكشف عن قوة المرأة ضمن عالم القبيلة. أعتقد أن المجوهرات الأمازيغية قد أثَّرت في المهارات الحرفية الرائجة في عصرنا الراهن وفي الطريقة التي استعملناها بها. ثمّة شيء من الضراوة فيها، حيث تتضارب الفضة المطروقة اللامعة مع الأحجار الكريمة الملونة”. وتضيف: “إنها تشبه الدرع، إذ تحمي المرأةَ على نحو جميل وتمنحها القوة والثقة”.

’’ثمّة شيء من القوّة في التناقض بين الفضة المطروقة اللامعة مع الأحجار الكريمة‘‘

لعل ظهور مادونا مؤخراً متألقةً بتلك المجوهرات المغرقة في القدم، احتفالاً بعيد ميلادها الستين، هو ما سيمنح المجوهرات الأمازيغية جمهوراً عالمياً أوسع من العشاق المحتملين، فقد نشرت النجمةُ لمتابعيها البالغ عددهم 12 مليوناً على انستقرام عدداً هائلاً من الصور لحفل عيد ميلادها الذي أقامته في مراكش بعد أن سافرت إلى هناك برفقة أصدقائها المقربين، ومنهم صوفيا بوتلَّة وديبي مازار، حيث تزيَّنّ مع أطفالهن بالمجوهرات الأمازيغية التقليدية – أو ما بدا أنه كذلك. وواقع الأمر أنَّ العديد من تلك الحُلي كانت من ابتكار ماريانا هاروتونيان، مصممة المجوهرات وفق الطلب المقيمة في لوس أنجليس، والتي علَّمت نفسها بنفسها وتبيع تصاميمها على موقع التجارة الإلكترونية إتسي. كما ساهمت في تلك الإطلالة علامةُ إريكسون بيمون الأمريكية للمجوهرات المصنوعة حسب الطلب، والتي عاودت مادونا اعتمادها في إطلالتها خلال حفل جوائز MTV للموسيقى المصوّرة بعد عودتها من المغرب. والأقراط الخيالية الضخمة والفخمة والمطعَّمة بالكريستال التي شوهدت على كريستينا أغيليرا وأليشيا كيز هي أيضاً من ابتكار هذه العلامة. وتتدلى هذه المجوهرات كما لو كانت امتداداً للمرأة التي تتزيَّن بها. وعبر القرون والأماكن، اتسمت الإطلالات التي ترسمها مثل تلك المجوهرات بروحانيّة جميلة – فهي تشكّل توازناً دقيقاً بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق. وهنا تكمن جاذبية المجوهرات الأمازيغيّة التي تبث في حاضرنا رسائل التمكين والقوّة.

تسوّقوا أجمل المجوهرات الأمازيغيّة من معرض الصور التالي:

زاك بوزن يكشف تفاصيل فستان حفل الاستقبال الخاص بزفاف الأميرة يوجيني

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع