تابعوا ڤوغ العربية

المرأة والجِمال في الإمارات.. قصّة عن الشغف والتحدّي


عندما تعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة لا بدّ لك أن تنخرط في عادات وتراث وتاريخ هذا المجتمع الغني بتقاليده العربية الأصيلة التي تجعل منه مقرّاً سياحياً بامتياز

صحراء، جمال، سباق هجن، شمس حارقة، رمال صفراء تمتد على مدّ العين والبصر، أسرار عجيبة لم يفز بها إلا من غامر وعانق الصحراء لأيام طوال. هذه الغرابة الاستثنائية أثارت في نفوسنا الفضول، ودفعتنا للغوص في صحراء الإمارات العربية المتحدة وتاريخها وتقاليدها وعاداتها ونمط الحياة فيها الذي ساعد الإنسان في سابق الأزمان على التأقلم مع طبيعتها وأبقاه متعلقاً بها وفخوراً بتاريخه وبعلاقته بالجمل الذي لطالما شغل مكانةً مهمة في حياة كلّ إماراتي أصيل حتى بعد أن تحوّلت الإمارات إلى أكثر الدول تقدماً في العالم من الناحية التكنولوجية.

على مرّ السنوات، لقيت الإبل اهتماماً واسعاً، فقد اهتم بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باعتبارها جزءاً من تراث الدولة ارتبط بها وبعاداتها وتقاليدها، وانعكس هذا الاهتمام في تصريحاته، فقد قال مرةّ: «وفاء منا للإبل وما أسدته لأسلافنا ولنا من بعدهم من خدمات وقت إن كنا نعتمد عليها في كل حياتنا وتنقلاتنا ورحلاتنا، فإننا نهتم بها ونكرمها لسابق أفضالها علينا وعلى أجدادنا». هذه الكلمات تدلّ على صلة البدوي بإبله، وتعاطفه معها وتقديره لها فهي له أكثر من مطية تخدمه ساعة الحاجة، أو مجرد حيوان، فالبدوي الأصيل يتعاطف مع إبله كما تتعاطف معه، ويحزن لفقدها كما تحزن لفقده.

نونا أكوبيان

لطالما كانت الهجن عنصرًا أساسيًا وجزءًا لا يتجزأ من ثقافة دولة الإمارات وتراثها. وتتجلّى أهميتها في مختلف القطاعات؛ سواء في شيوع لونها بمختلف تدرجاته في عالم المنسوجات أو في استخدامها وسيلةً لا غنى عنها للنقل، ومصدرًا غذائيًا وترفيهيًا، وحتى اتخاذها بديلًا للمال. ومنذ فجر التاريخ، كان البدو يعظّمون قدرها لحاجتهم الماسّة إليها في حياتهم اليومية. وفي أوقات الشدة وشح الموارد، كانت تلك الجِمال توفر لهم حاجاتهم الضرورية المختلفة التي تبقيهم على قيد الحياة. فبدايةً، يعتبر لحمها وحليب نوقها جزءًا بالغ الأهمية في المطبخ الإماراتي، إذ جرت العادة بتقديمهما خلال الاحتفالات والأعياد. وعلاوة على ذلك، يتخذ البدو من الجِمال وسيلة نقل أساسية تحملهم ومتاعهم من مكان إلى آخر. كما لعبت الإبل دورًا في إبراز مكانة أصحابها، فقد كان الثراء يقاس بعدد الجِمال التي يملكها المرء، بل وكانت تستخدم أيضًا بديلًا للمال، إذ كثيرًا ما كانت تقدم مهرًا للعروس، كما كانت العملة الرئيسية في الصفقات العسكرية التي تبرمها القبائل البدوية، وشكلًا من أشكال الصدقات والزكاة، إلى جانب أهميتها البالغة واستخداماتها المختلفة في عالم المنسوجات، فقد شاع استعمال جلودها في صناعة الأحذية والحقائب والقِرب والصوف والخيام والسجاد. لذا، فهي تعدّ شكلاً من أشكال الاستكشاف الإبداعي. وحتى يومنا هذا، لا تزال الجِمال تمثل أحد سبل الترفيه بالنسبة لكثيرين كنوع من الجهود الرامية إلى الحفاظ على التراث الإماراتي. هذا وتفتح سباقات الهجن التي تقام سنويًا خلال شهور الشتاء ومسابقات مزاينة الإبل المجالَ للاحتفاء بالعادات والتقاليد الإماراتية الأخرى مثل الشيلة (الشعر البدوي)،.

وشاع أن يكون لكلماتٍ كالصحراء والجمال وسباق الهجن دلالة ذكورية. فقساوة الصحراء، وضخامة الجمال، وصعوبة التحكم بجملٍ يركض كلها توحي بأن الجمل وكل ما يتعلق به حكرٌ على الرجال دوناً عن النساء. إلا أن الواقع اليوم يثتب عكس ذلك، أو بالأحرى أسماء كرباب القويري ونونا أكوبيان وآنا إيكو وبشرى الزيغمي وليندا روكنبيرج أثبتت أن النساء قويات وشجاعات كفاية ليتمكنّ من ركوب الجمال لا بل حتى من المشاركة في سباقات الهجن.

بشرى الزيغمي

للتحري عن هذا الموضوع قصدنا منطقة «المرموم» الصحراوية على بعد ثلاثين دقيقة عن إمارة دبي، وهي صحراء تشبه غيرها من صحارى الإمارات في الشكل والطبيعة ولكنّها تختلف عنها في المضمون، فهناك وراء الكثبان الرملية المنتشرة على مدّ البصر يمكنك استكشاف عالم يعجّ بأسراره وروعته العربية الأصيلة، حيث العِزَب والمراكز المخصصة لتربية الهجن ورعايتها، فمروراً بنادي دبي لسباقات الهجن ومستشفى دبي للجمال المخصص لرعاية هذا الحيوان وسوق الجمال وصولاً إلى مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث ومركز الصحراء العربية لتعليم ركوب الهجن، تقف عاجزاً عن التعبير أمام الاهتمام الخاص الذي تقدّمه الإمارات شعباً وحكومة للإبل، اهتمام بلغ حدّ إصدار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم، ولي عهد دبي في 1 مارس 2020 توجيهاته بإقامة «ماراثون رحلة الهجن» المخصص للمشاركين من غير المواطنين على أن يُدرج على أجندة فعاليات مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث السنوية بعد أن تكللت النسخة التجريبية منه التي أقيمت في 12 فبراير المنصرم بالنجاح إذ ضمت سباقاً خاضه ثلاثة عشر متسابق من فرسان الصحراء سبق أن شاركوا بدورات سابقة من رحلة الهجن التي ينظمها المركز. تأسس مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث استناداً إلى القرار رقم 1 الذي أصدره سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم في السادس من أبريل لعام ٢٠١٣. ويُعدّ هذا التاريخ نقطة تحول جذرية ليس فقط في مسيرة التراث الإماراتي وحسب، وإنما في الإرث الإنساني لأنه وكما يتضح من اسم المركز يتعدى مفهوم الجمع والتدوين التقليدي للتراث إلى بثّ الروح فيه من جديد ليكون كائناً حاضراً في حياة أبناء وطنٍ لا يعتزون بشيء أكثر من اعتزازهم بهويتهم الإماراتية.

شُدّ رحال أولى رحلات الهجن في العام 2014، وبدأت برحلة تجريبية خاضها عدد من المشاركين الإماراتيين ممن كانت لديهم القدرة على التحمل والترحال على ظهر «المطيّه» لمسافات شاسعة وساعات طويلة ومتواصلة في ربوع الصحراء لمدة 11 يوماً. ولما لاقته الرحلة من نجاح، توافدت أعداد كبيرة من المقيمين في الدولة ليحذوا حذو الشباب الإماراتيين الذين سارعوا للاستفادة من الدورة الأولى لتجربة الحياة في الماضي والسير على خطى الأجداد. واستمرت «رحلة الهجن» في التطور والاستمرار مع مرور السنوات وانضمت إليها جنسيات عديدة ومشاركون من النساء والرجال والشباب.

تشغل هند بن دميثان القمزي منصب مديرة الفعاليات في المركز، وهي تقول:«قبل أن ألتحق بالمركز لم يسبق لي وأن حققت أمنيتي بركوب الجمل. مع انضمامي إلى المركز، اختبرت ركوب الجمال وأصبحت أكثر تعلقاً بهذا الحيوان،» وتضيف: «امتلك والدي رحمة الله عليه مزرعة للجمال، لذا نشأت منذ صغري في بيئة محبة للطبيعة. لم أعتقد يوماً أن ركوب الجمل حكر على الرجال إلا أن الفضول لم يتملكني آنذاك للتعرف على الجمل أو ركوبه. كنت أسرح بجماله الداخلي والخارجي، وفي فوائده وقدرته على التحمل واجتيازه المسافات كوسيلة للتنقل بين القرى والمدائن. أحب طبيعته وصبره الذي نتعلم منه كبشر ومن خصائصه الممثلة في طبيعته»

من اليمين رباب القويري ونونا أكوبيان وآنا إيكو وبشرى الزيغمي

يتجلى دور هند في تشجيع النساء المشاركات وإتاحة السبل لهن للحصول على التدريبات اللازمة للرحلة ودعمهن على كافة الصعد لتذليل الصعاب ليتمكّن من إكمال الرحلة بسلام وأمان. إلا أن مهمتها التنفيذية تتحول إلى علاقة أكثر خصوصية حين تبدأ الرحلة فتتقرب منهن وتتعرف إلى الأسباب التي دفعتهن للمشاركة والتحديات والصعاب التي واجهتهن للانضمام إلى رحلة تستغرق نحو 15 يوماً في الصحراء، أسباب متنوعة كالرغبة في الابتعاد عن الحياة اليومية، أو للاستفادة من فرصةٍ قد لا تتكرر أو لتحدي أنفسهن أو لمجرد الاستمتاع برياضة استثنائية. ترفض هند تصنيف ركوب الهجن كنشاط خاص بالرجال معللةً ذلك بأن النساء كن يركبن الجمال في الماضي بهدف التنقل، وهي تقول:«لا شك بأن المرأة قادرة على تحقيق المستحيل»

دخلنا بين أسوار هذه العزب لنتعرّف عن كثب على حياة المرأة وعلاقتها بالهجن وكيف أبت أن تقف مكتوفة الأيدي وتأخذ دور المتفرّج أو المصفّق والتقينا بنساء من جنسيات متنوعة جذبهن هذا التراث العريق وأردن أن يثبتن لأنفسهن أولاً وللرجل ثانياً أنّهن قادرات على دخول مضمار السباقات التي تنظّمها دولة الإمارات وأن يظهرن اندفاعهن لتجربة رحلة الهجهن الاستكشافية التي ينظّمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في دبي واستعدادهن عقلياً وجسدياً للقيام بالتدريبات اللازمة التي يوفّرها مركز الصحراء العربية لتعليم ركوب الهجن.

بشرى الزيغمي

في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث تعرفت شمسة على ليندا روكنبيرجر التي حققت في العام 2019 بفضل المركز حلمها برحلةٍ على ظهر الجمال في الصحراء. أتت ليندا من ألمانيا إلى الإمارات العربية المتحدة منذ ست سنوات بعد أن أتممت دراستها في إدارة العائدات في هولندا. في الإمارات أخذت الصحراء من ليندا كلّ مأخذ واكتشفت رمالها بسيارتها إلا أنها لطالما حلمت بالخفايا التي قد تكشفها لها رحلة على ظهر الجمال بعيداً عن ضجيج محركات السيارات، تقول ليندا: «الحياة مع الإبل والتدرب على ركوبها زاد من حبي لها، أقدّر كثيراً صبرها وقدرتها على التحمل وثباتها واعتزازها بنفسها».

تتشارك شمسة وليندا الشغف ذاته والرغبة باكتشاف المزيد عن الجمال وفي صقل مهاراتهما في ركوبها، لذلك انضمت ليندا  إلى مركز الصحراء العربية، وهكذا تأسس أول مركز متخصص بتدريب النساء في الإمارات والشرق الأوسط على ركوب الإبل، وقد سعى هذا المركز إلى تأمين ملاذ تقصده النساء الراغبات بالتعرف على الجمال وبتعلّم ركوبها، وإلى تحويل هذه الرياضة إلى رياضة معترفٍ بها إسوةً بركوب الخيل، وإلى تأهيل جيل نسائي متمكن رياضياً قادر على خوض دورات سباق الهجن المقامة داخل الدولة وخارجها وفي العالم أجمع، وإلى تحقيق المسير على خطى القيادة الرشيدة ببناء الثقة بكيان المرأة الإماراتية وتمكينها في جميع المجالات لاسيما هذه الرياضة الأصيلة المرتبطة بتاريخها وأصالتها.

تشارك رباب القويري الشابة ليندا حب الجمال. ورباب فارسة مميزة تجمع بين الثقافتين العربية والأوروبية لأنها من أبٍ عربي وأم أوروبية. أحبت ركوب الإبل، وتؤكد أن هوايتها هذه أظهرت شجاعتها الأوروبية وقوة تحملها العربية وحنينها للتراث البدوي الأصيل؛ تقول رباب: «لطالما حلمت بإنجاز ما لم أكن أتخيله وقد نجحت في إتقان ركوب الجمل وفي المشاركة في السباقات وفي إحراز المركز الثالث. إنجازي عصيٌ حتى على بعض الرجال.» تعتقد رباب أنّ هوايتها مدعاة فخرٍ لها ولكل امرأة عربية وتؤكد أنّ المرأة تستطيع أن تحقق المستحيل وكل ما تحتاجه هو الجرأة والعزيمة والتوفيق من الله، وقد قالت: «وهبني الجمل صفاته بشكل تلقائي، فالصبر أصبح السيد في كل المواقف التي أتعرّض لها في حياتي الطبيعية، تضاعفت قوّتي وازدادت قدرتي على تحمل الشدائد، هذه صفات أعتز بها لأنّها سترافقني مدى الحياة».

رباب القويري

أما عن بدايتها مع الإبل، تروي رباب أنها ذهبت مع أسرتها في رحلة إلى مدينة غدامس القديمة في وطنها ليبيا حين كانت في الحادية عشرة من عمرها. وغدامس مدينة تقع عند نقطة التقاء ليبيا مع الجزائر وتونس. تقول رباب: «عندما وصلنا إلى صحراء غدامس، التقينا بمجموعة من رعاة الإبل. عرفناهم من الطوارق من ملابسهم زرقاء اللون المتعارف عليها. عرضوا علينا ركوب الجمال، وكانت المرة الأولى التي أركب فيها جملاً. أحببت هذه التجربة رغم وقوعي عن ظهر الجمل. لم أستسلم وركبته مرة ثانية رغم تنبيهات أبي (رحمه الله) حين صرخ «ردي بالك يا رباب».»

ذات يومٍ كانت رباب جالسةً في مكتبها فوصلتها رسالة من صديقتها المقربة. كانت الرسالة مرفقة بإعلان عن مغامرة مع الإبل في الصحراء ينظمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث برئاسة عبدالله حمدان بن دلموج، وقد علّقت عليها (انظري ماذا يفعل هؤلاء!)، وقد تذكرت رباب تلك الرسالة قائلةً: «تحمست لهذه الفكرة وتسجلت فوراً».

بعد المغامرة، تصف رباب تجربتها قائلةً: «لم أكن أعرف أنّني أتمتع بهذه القوة والعزيمة والثقة. اكتشفت ذاتي وقدراتي حين ركبت الجمل لأوّل مرة. انتابني شعور بالحماس يرافقه الخوف. اختلطت مشاعري في حينها حتى أنه لا يمكنني أن أصفها على الورق. كان حيواناً كبير الحجم وقوياً إلا أن ذلك لم يمنعني من ركوبه ولم يحبط عزيمتي أو يردعني عن إتمام رحلتي إلى نهايتها». هذه التجربة كانت الأولى ولم تكن الوحيدة ولن تكون الأخيرة، فرحلتها لن تتوقف مع الجمال بل ستستمر لتبلغ مراحل أكبر، كيف لا والشجاعة التي اكتسبتها من هذه الهواية أعطتها الدافع لتجربة مغامرات أخرى وتحديات جديدة.

حبّ الجمال في قلب نونا أكوبيان لا يقل عن حبّ شمسة ورباب رغم كونها أجنبية، وهي تقول: «كامرأة، يمنحني التعامل مع الهجن شعورًا خاصًا بالحرية لا يقدر بثمن، فقد حققت توازنًا بين «الين واليانغ»، بين الذكورة والأنوثة إلى أن توصلت إلى الرضا الداخلي. وجدت ذاتي. هذه حقيقتي في الحياة». ونونا متسابقة جِمال روسية أرمنية تبلغ من العمر 40 عاماً وهي تعتبر أن الرياضة وسيلة تُشبع فضولها وتنير طريقها. لطالما أحبّت نونا الصحراء، وقد بدأت رحلتها نحو استكشاف عجائبها الكثيرة قبل أربع سنوات، وهي تؤمن بأن السبيل إلى معرفة جوهر الصحراء يتجلى في ركوب الجِمال.

تستعيد نونا بدايات رحلتها مع الجمال فتقول: «زرت عزبة للجِمال وتسنت لي فرصة المشاركة في رحلة هجن برعاية مركز الشيخ حمدان لإحياء التراث. وبعدها، أصبحت وأنا في الـ40 من متسابقي الهجن المميزين في العالم». لا تخفي نونا أن مشاعر الخوف سيطرت عليها في البداية، إلا أن رغبتها في استكشاف الطبيعة كانت أقوى من أي مشاعر أخرى انتابتها. الرحلة التي قامت بها نونا على مدى 11 يوماً ممتطية ظهر الجِمال نبعٌ لا ينضب من الدروس، تقول: «اكتشفت أني أصبحت خارقة للطبيعة وجريئة وصادقة حين أمتطي ظهر الهجن. تجربتي مع الصحراء والجمال شجعتني على الاستسلام للطبيعة وعلى احترامها».

آنا أيكو هي أيضاً من النساء اللواتي كسرن القيود وركبن الجمال. وآنا فرنسية من أصول يابانية، وهي مصورة تعشق السفر على ظهر الجمال وتشق غمار حياتها بنفسها. تجمع آنا بين رغبتها في التقاط جمال شبه الجزيرة العربية أثناء رحلاتها المستمرة وبين ركوب الجمال بينما تنغمس بشغف في اتباع الطرق القديمة للاستكشاف والسفر. تقول آنا: «فزت بفرصة السفر على ظهر الجمل والتقاط صورٍ للحياة الأصيلة الجاثمة على طول طرق البخور(اللبان) التي سارت عليها القوافل القديمة،» وتضيف: «عليك أن تثق بنفسك وأن تنصت إلى ما يخالج قلبك، فبالإرادة لا توجد مساحة للمستحيل».

بدأت آنا رحلتها مع ركوب الجمال في العام 2019 حين انضمت إلى مجموعة من راكبي الجمال لم تضم امرأة سواها لعبور أرجاء صحراء الربع الخالي المترامية في المملكة العربية السعودية. تعتب آنا أن ركوب الجمال وسيلتها المفضلة في رحلةالاستكشاف، وقد قالت: «كلما غصت أكثر في استكشاف جمال شبه الجزيرة العربية برفقة الجمال، أجدني مذهولة. قطعت 2300 كيلومتراً كاملةً على متن الجمل في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث وفي جزيرة سُقطرى».

آنا أيكو

شغفها بالجمال لم يتوقف عند ركوبها والسفر على ظهرها، بل دفعها إلى اقتناء جملين وإلى توسيع نطاق نشاطاتها فشاركت في دورتين متتاليتين (2020 و2021) في سباق الهجن الدولي الذي ينظمه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث والذي أحرزت فيه المرتبة الثانية، وعن هذه التجربة قالت: «كان هذا بمثابة تحدٍ جديد. شعرت أن القوة الداخلية للجمل هي من حملتني. شعرت أنني صاروخ ينطلق في ميدان سباق يبلغ طوله كيلومتراً واحداً فقط». استفادت آنا من ركوب الجمال فقد شعرت أنها في قلب عالمٍ مليء بأصالة تستحق التوثيق، فما كان منها إلا أن أرضت شغفها بالتصويروالتقطت صوراً تنضح بجمال شبه الجزيرة العربية.

تجربة ركوب الجمال غيّرت أيضاً حياة بشرى الزيغمي، التي بدأ شغفها بالإبل من سباقات الهجن التي كانت تحضرها في صحراء الجزائر الرائعة حين كانت طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها السبع سنوات؛ سباقات لطالما كانت تنتظرها بفارغ الصبر وتختبر في خلالها قوة الهجن من مجرد اقترابها منها راكضةً. إحساسها بقوة الإبل ترك في نفسها أثراً عميقاً كبر معها ونمّى في داخلها أملاً بفرصة تتيح لها يوماً ما أن تعيش هذا الإحساس من جديد بكل جوانبه. فهي لطالما حلمت بالتعرف أكثر فأكثر على المطية وبتعلّم كيفية التعامل معها والاستمتاع بركوبها في دروب تشق صمت الصحراء، وتمنت أن تشارك يوماً في سباقات الهجن كامرأة تركب المطية طمعاً في السعادة والإحساس بالقوة والحرية الذي تمنحه هذه التجربة وحباً بالتحدي وبالأصالة العربية وإثباتاً لتعلقها بأصولها العربية.

حمل القدر بشرى وقادها إلى الإمارات وهي مقيمة فيها منذ ١٦ سنة، وبمحض الصدفة انضمّت إلى رحلة الهجن الاستكشافية التي نظّمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث وكانت رحلة فاقت توقّعاتها اكتسبت في خلالها صفات كثيرة وحثّتها على السعي وراء المزيد من المغامرات على ظهر الجمل. وبالفعل، انطلقت بشرى في رحلة حياة جديدة قريبة من الهجن التي لطالما حلمت بها في خلال طفولتها. اليوم، تقف بشرى امرأة ناضجة في وجه الصعاب مهما كبر حجمها متسلحةً بعزيمة لا يقوى عليها أحد، وهي تصف نفسها قائلةً: «أنا امرأة تتحدّى نفسها وإرادتها صلبة».

إنتاج وتصوير Ankita Chandra, Mohammad hazem Rezq

مساعِد التصوير Karthikeyan chokkalingam

أقرائي أيضاً: لقاء حصري مع المهندسة المعمارية اللبنانية هلا ورده

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع